كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

وتقدم في الصحيحين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال: (لا تفضلوني على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطشا بقائمة العرش، فلا أدري أصعق فأفاق قبلى؟ أم جوزي بصعقة الطور؟). وقدمنا أنه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من باب الهضم والتواضع، وإلا فهو صلوات اللّه وسلامه عليه خاتم الأنبياء، وسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، قطعا جزما لا يحتمل النقيض، وقال تعالى:* إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ والنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ ويَعْقُوبَ والْأَسْباطِ إلى أن قال: ورُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ورُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164)، وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69).
قال الإمام أبو عبد اللّه البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن روح بن عبادة، عن عوف، عن الحسن ومحمد وخلاس، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: (إن موسى كان رجلا حييا ستيرا، لا يرى جلده شيء استحياء منه، فأذاه من أذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده، إما برص أو أدرة، وإما آفة، وأن اللّه عز وجل أراد أن يبرأه مما قالوا لموسى، فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر، ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها وأن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عريانا أحسن ما خلق اللّه، وبرأه مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فو اللّه إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا، قال فذلك قوله عز وجل:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) ... وقد رواه الإمام أحمد من حديث عبد اللّه ابن شقيق وهمام بن منبه، عن أبي هريرة به. وهو في الصحيحين من حديث عبد الرزاق عن معمر، عن همام عنه به.
ورواه مسلم من حديث عبد اللّه بن شقيق العقيلي عنه.

الصفحة 184