كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

فيها ظلما وعدوانا، وهذه القصة فصلها القرآن الكريم في سورة خاصة لأهميتها وهي سورة البروج بقوله تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (6) وهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والْأَرْضِ واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9).
وإثر ذلك نقم الرومان على ملك اليمن اليهودي وساعدوا الأحباش على غزوها ثانية فكان لهم ذلك بقيادة أرياط عام 525 م، واستمر حكمه عليها حتى اغتاله أحد قواده أبرهة بن الأشرم عام 549 م، وحكم بدله اليمن بعد أن استرضى ملك الحبشة، وهذا الأشرم نفسه الذي أراد هدم الكعبة لصرف العرب عن قدسيتها، فجيش الجيوش وعلى رأسها فيل عظيم وسار بالجيش حتى وصل مشارفها، فسلط اللّه تعالى عليه الطير الأبابيل التي قضت عليه وعلى جيشه الباغي، وهذا العام سمي عام الفيل وهو العام الذي ولد فيه المصطفى صلّى اللّه عليه وسلم. هذه الحادثة ثبتها القرآن الكريم بسورة خاصة لأهميتها أيضا هي سورة الفيل بقوله تعالى «1»:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَاكُولٍ (5).
وهكذا يثبت القرآن الكريم هذه الأحداث التاريخية المتفاوتة والممتدة من مبعث سيدنا عيسى عليه السلام وحتى الولادة المباركة لسيدنا محمد صلّى اللّه عليه وسلم.
ج - إن الرسول صلّى اللّه عليه وسلم سيدخل مكة منتصرا، وأن اللّه سيظهر دينه كله في آفاق الأرض، وأن الدين سيكتمل وينتشر «2» ... وهذا ما نجده مشخصا بجلاء في الآية المباركة وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ومَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ
_________________
(1) الرحيق المختوم للمباركفوري، ص 24 - 25 بتصرف.
(2) انظر كتابنا (القوانين القرآنية للحضارات)، ففيه تفاصيل واسعة ومهمة في هذا الموضوع.

الصفحة 37