كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

الْفاسِقُونَ (55)، (النور: 55) ... أي أن اللّه تعالى وعد بأمر لا يخلف وهو أنه يمكن الأمة لتستخلف الأرض وما فيها من أمم وقرى وينقلهم من الخوف والذل إلى الأمن والعز بالنصر، ولكن لمن؟ للذي يطبق شروط النصر وإقامة الدين بكل حيثياته التي ذكرنا، ثم قال ومن كفر أي لم يطبق ذلك فإن النتيجة ستكون الهزيمة لكل فاسق أدار ظهره لأوامر ربه. وقوله تعالى كما استخلف الذين من قبلهم مستمرة إلى يوم القيامة فلا يظنن أحد أن الآية تقتصر على من سبقنا من الأمم حسب، بل أن الأمر يتعدى إلى كونه قانونا آخر يتعلق بالأجيال المتلاحقة من هذه الأمة. وكأن اللّه تعالى يقول لنا قد تعهدت لكم بالنصر وتركت لكم مفتاح ذلك، فإن طبقتم الشرع جاءكم النصر ولو بتغيير النواميس الكونية، وإن أبيتم ذلك فلا تلومن إلا أنفسكم.
لندخل في تفاصيل تفسير هذا القانون القرآني المهم في هذه الآية الكريمة التي تحمل البشارات لهذه الأمة:
1. مناهل العرفان: (ج 2/ ص (271 - 272)
المثال الخامس تنبأ القرآن بأن المستقبل السعيد ينتظر المسلمين في وقت لم تكن عوامل هذا المستقبل السعيد مواتية ثم إذا تأويل هذا النبأ يأتي على نحو ما أخبر القرآن في أقصر ما يكون من الزمان أجل إننا لنقرأ في سورة الصافات المكية وإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (173)، وفي سورة غافر المكية أيضا إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا والَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ويَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (51)، وكذلك نقرأ في سورة النور المدينة وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً، على حين أن سجلات التاريخ لا تزال تحفظ بين طياتها ما يشيب الوليد من ألوان الاضطهاد والأذى الذي أصاب الرسول صلّى اللّه عليه وسلم وأتباعه في مكة والمدينة على عهد نزول هذه الوعود المؤكدة الكريمة حتى لقد كان أكبر أماني المسلمين بعد هجرتهم وتنفسهم الصعداء قليلا أن يسلم لهم دينهم ويعيشوا آمنين في مهاجرهم كما يدل على ذلك ما صححه الحاكم عن أبي بن كعب قال لما قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار

الصفحة 38