كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)
الدُّنْيا ويَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (51)، وقال وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ .. ، وأخبر تعالى أن هذا مسطور في الكتب الشرعية والقدرية وهو كائن لا محالة ولهذا قال تعالى ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر. قال الأعمش سألت سعيد بن جبير عن قوله تعالى ولَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ .. ، فقال الزبور التوراة والإنجيل والقرآن، وقال مجاهد الزبور الكتاب، وقال ابن عباس والشعبي والحسن وقتادة وغير واحد الزبور الذي أنزل على داود والذكر التوراة، وعن ابن عباس الزبور القرآن، وقال سعيد بن جبير الذكر الذي في السماء، وقال مجاهد الزبور الكتب بعد الذكر والذكر أم الكتاب عند اللّه، واختار ذلك ابن جرير رحمه اللّه، وكذا قال زيد بن أسلم هو الكتاب الأول، وقال الثوري هو اللوح المحفوظ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم الزبور الكتب التي أنزلت على الأنبياء والذكر أم الكتاب الذي يكتب فيه الأشياء قبل ذلك، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أخبر اللّه سبحانه وتعالى في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلم الأرض ويدخلهم الجنة وهم الصالحون، وقال مجاهد عن ابن عباس أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ، قال أرض الجنة وكذا قال أبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة والسدي وأبو صالح والربيع بن أنس والثوري، وقال أبو الدرداء نحن الصالحون، وقال السدي هم المؤمنون وقوله إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (106)، أي إن في هذا القرآن الذي أنزلناه على عبدنا محمد صلّى اللّه عليه وسلم لبلاغا لنفعه وكفاية لقوم عابدين وهم الذين عبدوا اللّه بما شرعه وأحبه ورضيه وآثروا طاعة اللّه على طاعة الشيطان وشهوات أنفسهم .. وقوله وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107)، يخبر تعالى أن اللّه جعل محمدا صلّى اللّه عليه وسلم رحمة للعالمين أي أرسله رحمة لهم كلهم فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والآخرة ومن ردها وجحدها خسر الدنيا والآخرة كما قال تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ