كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)
ظهورهم نزع عنهم هذا الشرف وتمكن الأعداء منهم فاحتلوا أرضهم وأذلوهم وسلبوا ديارهم وشرفهم. إذن، ما من حل لكل ما نمر به إلا بالعودة إلى اللّه لأن الوعد في الآية الكريمة مستمر غير منقطع لقوله تعالى .. يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً .. أي ما أن قاموا بهذا العمل وأخلصوا به فإن الوعد سيتحقق وهل من وعد أصدق من وعد اللّه؟، فهل نحن عائدون إلى اللّه لنحظى بنصره وإنجاز وعده؟، أم إننا استحببنا العمى على الهدى وعبدنا أهواءنا وملذاتنا وشهواتنا وتركنا اللّه وكتابه وسنة رسوله وراء ظهورنا وبذلك فقد أخلينا بالشرط الذي أشترطه اللّه علينا فكيف نرجو منه سبحانه أن يفي بوعده لنا ونحن من أخلف العهد معه؟.
ويعضد هذا الوعد ما جاء في آيات عديدة أخرى تأتي في نفس السياق، منها قول اللّه تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ ويَابَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ولَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى ودِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)، (التوبة) .. ويقول أيضا هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى ودِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (28)، (الفتح: 28) ... ويؤكدها سبحانه ثالثة هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى ودِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)، (الصف: 9) .. وكلمة (ليظهره) اللام سببية، أي ما جاء الإسلام إلا ليظهر ويغلب، وكلمة يظهره أي يجعله ظاهرا فوق الآخرين. أما كلمة الدين فتعني اصطلاحا القانون، أي ليجعل دين وقانون الإسلام ظاهرا على كل القوانين الأخرى، والدليل من الكتاب قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام ... ما كانَ لِيَاخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ... ، (يوسف: من الآية 76)، فالدين هنا يعني قانون الملك.
ويؤكد هذا الوعد قوله تعالى ولَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (105)، (الأنبياء: 105) .. ولَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (173)، الصافات.