كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

موسى، عن محمد بن قيس، قال: كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا، قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس، فقال:
إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر فعبدوهم. وروى ابن أبي حاتم، عن عروة بن الزبير، أنه قال: ود ويغوث ويعوق وسواع ونسر أولاد آدم، وكان ود أكبرهم وأبرهم به.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور، حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا يعقوب، عن أبي المطهر، قال: ذكروا عند أبي جعفر، وهو الباقر، وهو قائم يصلى بزيد ابن المهلب، قال: فلما انفتل من صلاته، قال: ذكرتم يزيد بن المهلب، أما إنه قتل في أول أرض عبد فيها غير اللّه. قال: ذكر ودا رجلا صالحا وكان محببا في قومه، فلما مات عكفوا حول قبره في أرض بابل، وجزعوا عليه، فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان، ثم قال: إني أرى جزعكم على هذا الرجل، فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه؟ قالوا: نعم، فصور لهم مثله، قال: ووضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه، فلما رأى ما بهم من ذكره، قال: هل لكم أن أجعل في منزل كل واحد منكم تمثالا مثله ليكون له في بيته فتذكرونه؟ قالوا: نعم، قال: فمثل لكل أهل بيت تمثالا مثله، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به، قال: وأدرك أبناؤهم، فجعلوا يرون ما يصنعون به، قال: وتناسلوا ودرس أثر ذكرهم إياه، حتى اتخذوه إلها يعبدونه من دون اللّه أولاد أولادهم، فكان أول ما عبد غير اللّه ودا، الصنم الذى سموه ودا.
ومقتضى هذا السياق: أن كل صنم من هذه عبده طائفة من الناس، وقد ذكر أنه لما تطاولت العهود والأزمان جعلوا تلك الصور تماثيل مجسدة، ليكون أثبت لهم، ثم عبدت بعد ذلك من دون اللّه عزّ وجلّ، ولهم في عبادتها مسالك كثيرة جدا.
وقد ثبت في الصحيحين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: أنه لما ذكرت عنده أم سلمة وأم حبيبة تلك الكنيسة التي رأينها بأرض الحبشة، يقال لها: مارية، فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، قال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، ثم صوروا فيه تلك الصورة، أولئك شرار الخلق عند اللّه عز وجل).

الصفحة 55