كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)
أن الفساد لما انتشر في الأرض وعم البلاء بعبادة الأصنام فيها، بعث اللّه عبده ورسوله نوحا عليه السلام، يدعو إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له، وينهى عن عبادة ما سواه، فكان أول رسول بعثه اللّه إلى أهل الأرض، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي حيان، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم في حديث الشفاعة، قال: (فيأتون آدم فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك اللّه بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، أ لا تشفع لنا إلى ربك، أ لا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: ربي قد غضب غضبا شديدا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيرى، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك اللّه عبدا شكورا، أ لا ترى إلى ما نحن فيه، أ لا ترى إلى ما بلغنا، أ لا تشفع لنا إلى ربك عز وجل؟ فيقول: ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، نفسي نفسي)، وذكر تمام الحديث بطوله كما أورده البخاري في قصة نوح.
فلما بعث اللّه نوحا عليه السلام دعاهم إلى إفراد العبادة للّه وحده لا شريك له، وأن لا يعبدوا معه صنما ولا تمثالا ولا طاغوتا، وأن يعترفوا بوحدانيته، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، كما أمر اللّه تعالى من بعده من الرسل الذين هم كلهم من ذريته، كما قال تعالى:
وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77)، وقال فيه وفي إبراهيم: وجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ والْكِتابَ أي كل نبي من بعد نوح فمن ذريته، وكذلك إبراهيم قال اللّه تعالى: ولَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ، وقال تعالى: وسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45).
وقال تعالى: وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)، ولهذا قال نوح لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)، وقال: أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26)، وقال: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ