كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)
(65)، وقال تعالى في سورة نوح: قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ وأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ويُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا ونَهاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً (6) وإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ واسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وأَصَرُّوا واسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (11) ويُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وبَنِينَ ويَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ ويَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (12) ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (13) وقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (14) .. فذكر أنه دعاهم إلى اللّه بأنواع الدعوة في الليل والنهار والسر والإجهار، بالترغيب تارة والترهيب أخرى، وكل هذا فلم ينجح فيهم، بل استمر أكثرهم على الضلالة والطغيان وعبادة الأصنام والأوثان، ونصبوا له العداوة في كل وقت وأوان، وتنقصوه، وتنقصوا من آمن به، وتوعدوهم بالرجم والاخراج ونالوا منهم وبالغوا في أمرهم: قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ، أي السادة الكبراء منهم، إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ ولكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61)، أي لست كما تزعمون من إني ضال، بل على الهدى المستقيم، رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ، أي الذى يقول للشيء كن فيكون، أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وأَنْصَحُ لَكُمْ وأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (62)، وهذا شأن الرسول أن يكون بليغا أي فصيحا ناصحا أعلم الناس باللّه عز وجل، وقالوا له فيما قالوا: ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّايِ وما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27)، تعجبوا أن يكون بشرا رسولا وتنقصوا بمن اتبعه ورأوهم أراذلهم.
وقد قيل: أنهم كانوا من أقياد الناس وهم ضعفاؤهم، كما قال هرقل، وهم أتباع الرسل، وما ذاك إلا لأنه لا مانع لهم من اتباع الحق، وقولهم: بادِيَ الرَّايِ، أي بمجرد ما دعوتهم استجابوا لك من غير نظر ولا روية، وهذا الذى رموهم به هو عين ما