كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)
مُلاقُوا رَبِّهِمْ أي فأخاف إن طردتهم أن يشكوني إلى اللّه عز وجل، ولهذا قال:
وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30) ولهذا لما سأل كفار قريش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أن يطرد عنه ضعفاء المؤمنين كعمار وصهيب وبلال وخباب وأشباههم نهاه اللّه عن ذلك، كما بيناه في سورتى الأنعام والكهف: ولا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ ولا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ولا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ، أي بل أنا عبد رسول لا أعلم من علم اللّه إلا ما أعلمني به، ولا أقدر إلا على ما أقدرني عليه، ولا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء اللّه ولا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ يعني من أتباعه لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)، أي لا أشهد عليهم بأنهم لا خير لهم عند اللّه يوم القيامة، اللّه أعلم بهم، وسيجازيهم على ما في نفوسهم، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، كما قالوا في الموضع الآخر: قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ واتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قالَ وما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115).
وقد تطاول الزمان والمجادلة بينه وبينهم، كما قال تعالى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وهُمْ ظالِمُونَ (14)، أي ومع هذه المدة الطويلة فما آمن به إلا القليل منهم وكان كل ما انقرض جيل وصوا من بعدهم بعدم الإيمان به ومحاربته ومخالفته، وكان الوالد إذا بلغ ولده وعقل عنه كلامه وصاه فيما بينه وبينه أن لا يؤمن بنوح أبدا ما عاش، ودائما ما بقى، وكانت سجاياهم تأبى الإيمان واتباع الحق، ولهذا قال: ولا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (27)، ولهذا قالوا: قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَاتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قالَ إِنَّما يَاتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33)، أي إنما يقدر على ذلك اللّه عز وجل، فإنه الذى لا يعجزه شىء، ولا يكترثه أمر، بل هو الذى يقول للشيء كن فيكون ولا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)، أي من يرد اللّه فتنته فلن يملك أحد هدايته، هو الذى يهدي من