كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

لوقوع ما توعدهم به، قال: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (38)، أي نحن الذين نسخر منكم، ونتعجب منكم، في استمراركم على كفركم وعنادكم، الذى يقتضى وقوع العذاب بكم، وحلوله عليكم فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَاتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ ويَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (39)، وقد كانت سجاياهم الكفر الغليظ والعناد البالغ في الدنيا.
وهكذا في الآخرة فإنهم يجحدون أيضا أن يكون جاءهم رسول، كما قال البخاري:
حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (يجيء نوح عليه السلام وأمته، فيقول اللّه عزّ وجلّ: هل بلغت؟ فيقول: نعم أي رب، فيقول لأمته: هل بلغكم؟
فيقولون: لا، ما جاءنا من نبي، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته فتشهد أنه قد بلغ). وهو قوله: وكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً، والوسط العدل.
فهذه الأمة تشهد على شهادة نبيها الصادق المصدوق بأن اللّه قد بعث نوحا بالحق، وأنزل عليه الحق، وأمره به، وأنه بلغه إلى أمته على أكمل الوجوه وأتمها، ولم يدع شيئا مما ينفعهم في دينهم إلا وقد أمرهم به، ولا شيئا مما قد يضرهم، إلا وقد نهاهم عنه وحذرهم منه، وهكذا شأن جميع الرسل، حتى أنه حذر قومه المسيح الدجال، وإن كان لا يتوقع خروجه في زمانهم حذرا عليهم وشفقة ورحمة بهم. كما قال البخاري: حدثنا عبدان، حدثنا عبد اللّه، عن يونس، عن الزهرى، قال سالم: قال ابن عمر: قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الناس فأثنى على اللّه بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال:
(إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه، ولكني أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه: تعلمون أنه أعور وأن اللّه ليس بأعور).
وهذا الحديث في الصحيحين أيضا من حديث شيبان بن عبد الرحمن، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (ألا أحدثكم عن الدجال حديثا ما حدث به نبي قومه إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثال

الصفحة 61