كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)
الجنة والنار، والتي يقول عليها الجنة هي النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه)، لفظ البخاري.
وقد قال بعض علماء السلف: لما استجاب اللّه له أمره أن يغرس شجرا ليعمل منه السفينة، فغرسه وانتظره مائة سنة، ثم نجره في مائة أخرى، وقيل: في أربعين سنة، فاللّه أعلم. قال محمد بن إسحاق عن الثوري: وكان من خشب الساج، وقيل: من الصنوبر، وهو نص التوراة. قال الثوري: وأمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعا، وعرضها خمسين ذراعا، وأن يطلي ظاهرها وباطنها بالقار، وأن يجعل لها جؤجؤا أزور يشق الماء، وقال قتادة: كان طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين ذراعا، وهذا الذي في التوراة على ما رأيته.
وقال الحسن البصري: ستمائة في عرض ثلاثمائة ذراع. وعن ابن عباس: ألف ومائتا ذراع في عرض ستمائة ذراع، وقيل: كان طولها ألفي ذراع وعرضها مائة ذراع، قالوا كلهم: وكان ارتفاعها ثلاثين ذراعا، وكانت ثلاث طبقات، كل واحدة عشر أذرع، فالسفلى للدواب والوحوش، والوسطى للناس، والعليا للطيور، وكان بابها في عرضها، ولها غطاء من فوقها مطبق عليها، قال اللّه تعالى في سورة المؤمنون: قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا ووَحْيِنا ... ، أي بأمرنا لك، وبمرأى منا لصنعتك لها، ومشاهدتنا لذلك لنرشدك إلى الصواب في صنعتها فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ولا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27)، فتقدم إليه بأمره العظيم العالي، أنه إذا جاء أمره وحل بأسه أن يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات، وسائر ما فيه روح، ومن المأكولات وغيرها لبقاء نسلها، وأن يحمل معه أهله، أي أهل بيته إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ، أي إلا من كان كافرا فإنه قد نفذت فيه الدعوة التي لا ترد ووجب عليه حلول البأس الذي لا يرد، وأمر أنه لا يراجعه فيهم إذا حل بهم ما يعاينه من العذاب العظيم الذي قد حتمه عليهم الفعال لما يريد، كما قدمنا بيانه من قبل.