كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة: فعن ابن عباس: كانوا ثمانين نفسا معهم نساؤهم. وعن كعب الأحبار كانوا اثنين وسبعين نفسا، وقيل: كانوا عشرة، وقيل: إنما كانوا نوحا وبنيه الثلاثة، وكنائنه الأربع بامرأة يام الذى انخزل وانعزل وتسلل عن طريق النجاة، فما عدل إذ عدل، وهذا القول فيه مخالفة لظاهر الآية، بل هى نص في أنه قد ركب معه غير أهله طائفة ممن آمن به، كما قال: ونَجِّنِي ومَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)، وقيل: كانوا سبعة، وأما امرأة نوح وهي أم أولاده كلهم، وهم: حام، وسام، ويافث، ويام، وتسميه أهل الكتاب كنعان وهو الذي قد غرق وعابر، وقد ماتت قبل الطوفان، قيل: إنها غرقت مع من غرق، وكانت ممن سبق عليه القول لكفرها، وعند أهل الكتاب: أنها كانت في السفينة، فيحتمل أنها كفرت بعد ذلك، أو أنها أنظرت ليوم القيامة، والظاهر الأول لقوله: لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26).
قال اللّه تعالى في سورة المؤمنون: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ ومَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) وقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29)، أمره أن يحمد ربه على ما سخر له من هذه السفينة، فنجاه بها، وفتح بينه وبين قومه، وأقر عينه ممن خالفه وكذبه، كما قال تعالى: والَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ والْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (14)، وهكذا يؤمر بالدعاء في ابتداء الأمور أن يكون على الخير والبركة، وأن تكون عاقبتها محمودة، كما قال تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه وسلم حين هاجر: وقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ واجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (80)، وقد امتثل نوح عليه السلام هذه الوصية: وقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها ومُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)، أي على اسم اللّه ابتداء سيرها وانتهاؤه إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، أي وذو عقاب أليم مع كونه غفورا رحيما، لا يرد بأسه عن القوم المجرمين، كما أحل بأهل الأرض الذين كفروا به وعبدوا غيره.

الصفحة 64