كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)
قال اللّه تعالى: وهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ، وذلك أن اللّه تعالى أرسل من السماء مطرا لم تعهده الأرض قبله، ولا تمطره بعده، كان كأفواه القرب، وأمر الأرض فنبعت من جميع فجاجها وسائر أرجائها، كما قال تعالى في سورة القمر:
فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ ودُسُرٍ (13)، والدسر السائر تَجْرِي بِأَعْيُنِنا، أي بحفظنا وكلاءتنا، وحراستنا، ومشاهدتنا لها، جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ.
وقد ذكر ابن جرير وغيره: أن الطوفان كان في ثالث عشر من شهر آب في حساب القبط، وقال تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (11)، أي السفينة لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (12)، قال جماعة من المفسرين: ارتفع الماء على أعلى جبل بالأرض خمسة عشر ذراعا، وهو الذي عند أهل الكتاب. وقيل: ثمانين ذراعا، وعم جميع الأرض طولها والعرض، سهلها وحزنها وجبالها وقفارها ورمالها، ولم يبق على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف، ولا صغير ولا كبير.
قال الإمام مالك عن زيد بن أسلم: كان أهل ذلك الزمان قد ملئوا السهل والجبل، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لم تكن بقعة في الأرض إلا ولها مالك وحائز، رواهما ابن أبي حاتم. ونادى نُوحٌ ابْنَهُ وكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا ولا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (42) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)، وهذا الابن هو: يام أخو سام وحام ويافث، وقيل: اسمه كنعان، وكان كافرا عمل عملا غير صالح، فخالف أباه في دينه ومذهبه فهلك مع من هلك، هذا وقد نجا مع أبيه الأجانب في النسب، لما كانوا موافقين في الدين والمذهب وقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ويا سَماءُ أَقْلِعِي وغِيضَ الْماءُ وقُضِيَ الْأَمْرُ واسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)، أي لما فرغ من أهل الأرض ولم يبق منها أحد ممن عبد غير اللّه عزّ وجلّ، أمر اللّه الأرض