كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

ونبع الماء وصار في السكك، خشيت أم الصبي عليه وكانت تحبه حبا شديدا، خرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه، فلما بلغها الماء خرجت به حتى استوت على الجبل، فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها، فغرقا، فلو رحم اللّه منهم أحدا لرحم أم الصبى).
وهذا حديث غريب، وقد روى عن كعب الأحبار ومجاهد وغير واحد شبيه لهذه القصة، وأحرى بهذا الحديث أن يكونا موقوفا متلقى عن مثل كعب الأحبار، واللّه أعلم.
والمقصود: أن اللّه لم يبق من الكافرين ديارا، فكيف يزعم بعض المفسرين أن عوج ابن عنق، ويقال: ابن عناق، كان موجودا من قبل نوح إلى زمان موسى، ويقولون: كان كافرا متمردا جبارا عنيدا، ويقولون: كان لغير رشدة، بل ولدته أمه عنق بنت آدم من زنا، وإنه كان يأخذ من طوله السمك من قرار البحار ويشويه في عين الشمس، وإنه كان يقول لنوح وهو في السفينة: ما هذه القصيعة التي لك؟ ويستهزئ به، ويذكرون: أنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاث مائة وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلثا، إلى غير ذلك من الهذيانات التى لو لا أنها مسطرة في كثير من كتب التفاسير وغيرها من التواريخ وأيام الناس لما تعرضنا لحكايتها لسقاطتها وركاكتها، ثم إنها مخالفة للمعقول والمنقول.
أما المعقول: فكيف يسوغ فيه أن يهلك اللّه ولد نوح لكفره، وأبوه نبي الأمة وزعيم أهل الإيمان، ولا يهلك عوج بن عنق، ويقال: عناق، وهو أظلم وأطغى على ما ذكروا، وكيف لا يرحم اللّه منهم أحدا، ولا أم الصبي، ولا الصبي، ويترك هذا الدعي الجبار العنيد الفاجر الشديد الكافر الشيطان المريد على ما ذكروا.
وأما المنقول: فقد قال اللّه تعالى: ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66)، وقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26)، ثم هذا الطول الذى ذكروه مخالف لما في الصحيحين عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال: (إن اللّه خلق آدم وطوله ستون ذراعا، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن).
فهذا نص الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، أنه لم يزل الخلق ينقص حتى الآن، أي لم يزل الناس في نقصان في طولهم من آدم إلى يوم أخبره بذلك، وهلم جرا إلى يوم القيامة.
وهذا يقتضي أنه لم يوجد من ذرية آدم من كان أطول منه، فكيف يترك هذا

الصفحة 67