كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)
وذلك: أن لوطا عليه السّلام لما دعاهم إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي ما ذكر اللّه عنهم من الفواحش، فلم يستجيبوا له، ولم يؤمنوا به، حتى ولا رجل واحد منهم، ولم يتركوا ما عنه نهوا، بل استمروا على حالهم ولم يرتدعوا عن غيهم وضلالهم، وهموا بإخراج رسولهم من بين ظهرانيهم، وما كان حاصل جوابهم عن خطابهم إذ كانوا لا يعقلون إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فجعلوا غابة المدح ذما يقتضي الإخراج، وما حملهم على مقالتهم هذه إلا العناد واللجاج، فطهره اللّه وأهله، إلا امرأته، وأخرجهم منها أحسن إخراج، وتركهم في محلتهم خالدين، لكن بعد ما صيرها عليهم بحيرة منتنة ذات أمواج، لكنها عليهم في الحقيقة: نار تأجج وحر يتوهج وماؤها ملح أجاج، وما كان هذا جوابهم إلا لما نهاهم عن الطامة العظمى والفاحشة الكبرى التى لم يسبقهم إليها أحد من أهل الدنيا، ولهذا صاروا مثلة فيها وعبرة لمن عليها، وكانوا مع ذلك يقطعون الطريق ويخونون الرفيق ويأتون في ناديهم، وهو مجتمعهم ومحل حديثهم وسمرهم، المنكر من الأقوال والأفعال على اختلاف أصنافه، حتى قيل: إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم ولا يستحيون من مجالسهم، وربما وقع منهم الفعلة العظيمة في المحافل، ولا يستنكفون ولا يرعوون لوعظ واعظ ولا نصيحة من عاقل، وكانوا في ذلك وغيره كالأنعام بل أضل سبيلا، ولم يقلعوا عما كانوا عليه في الحاضر، ولا ندموا على ما سلف من الماضي، ولا راموا في المستقبل تحويلا، فأخذهم اللّه أخذا وبيلا، وقالوا له فيما قالوا: «ائتنا بعذاب اللّه إن كنت من الصادقين» فطلبوا منه وقوع ما حذرهم عنه من العذاب الأليم وحلول البأس العظيم، فعند ذلك دعا عليهم نبيهم الكريم، فسأل من رب العالمين وإله المرسلين أن ينصره على القوم المفسدين، فغار اللّه لغيرته، وغضب لغضبته، واستجاب لدعوته، وأجابه إلى طلبته، وبعث رسله الكرام وملائكته العظام، فمروا على الخليل إبراهيم، وبشروه بالغلام العليم، وأخبروه بما جاءوا له من الأمر الجسيم والخطب العميم:* قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34)، (الذاريات) .. وقال: ولَمَّا