كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

وقوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ ولا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ نهى لهم عن تعاطي ما لا يليق من الفاحشة وشهادة عليهم بأنه ليس فيهم رجل له مسكة ولا فيه خير، بل الجميع سفهاء فجرة أقوياء كفرة أغبياء، وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوا منه من قبل أن يسألوه عنه، فقال قومه، عليهم لعنة اللّه الحميد المجيد، مجيبين لنبيهم فيما أمرهم به من الأمر السديد: لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ يقولون، عليهم لعائن اللّه: لقد علمت يا لوط إنه لا أرب لنا في نسائنا، وإنك لتعلم مرادنا وغرضنا، واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم ولم يخافوا سطوة العظيم ذي العذاب الأليم، ولهذا قال عليه السّلام: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ود أن لو كان له بهم قوة، أو له منعة وعشيرة ينصرونه عليهم ليحل بهم ما يستحقونه من العذاب على هذا الخطاب.
وقد قال الزهري: عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعا: نحن أحق بالشك من إبراهيم، ويرحم اللّه لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعى. ورواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. وقال محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال:
(رحمة اللّه على لوط لقد كان يأوى إلى ركن شديد، يعني اللّه عز وجل، فما بعث اللّه بعده من نبي إلا في ثروة من قومه).
وقال تعالى: وجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (68) واتَّقُوا اللَّهَ ولا تُخْزُونِ (69) قالُوا أَولَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (70) قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (71)، فأمرهم بقربان نسائهم، وحذرهم الاستمرار على طريقتهم، وسيئاتهم هذا وهم في ذلك لا ينتهون ولا يرعوون، بل كلما نصح لهم يبالغون في تحصيل هؤلاء الضيوف ويحرضون، ولم يعلموا ما حكم به القدر مما هم إليه صائرون، وصبيحة ليلتهم إليه منقلبون، ولهذا قال تعالى مقسما بحياة نبيه محمد صلوات اللّه وسلامه عليه: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)، وقال تعالى في سورة القمر:

الصفحة 76