كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)
ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)، أي خانتاهما في الدين فلم يتابعاهما فيه، وليس المراد:
أنهما كانتا على فاحشة حاشا وكلا ولما فإن اللّه لا يقدر على نبي أن تبغى امرأته كما قال ابن عباس وغيره من أئمة السلف والخلف: ما بغت امرأة نبي قط، ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ خطأ كبيرا.
قال اللّه تعالى في قصة الإفك لما أنزل براءة أم المؤمنين عائشة بنت الصديق زوج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فعاتب اللّه المؤمنين وأنب وزجر ووعظ وحذر وقال فيما قال تعالى في سورة النور: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) ولَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (16) أي سبحانك أن تكون زوجة نبيك بهذه المثابة، وقوله هاهنا: وما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ أي وما هذه العقوبة ببعيدة ممن أشبههم في فعلهم، ولهذا ذهب من ذهب من العلماء إلى أن اللائط يرجم سواء كان محصنا أو لا، نص عليه الشافعي وأحمد بن حنبل وطائفة كثيرة من الأئمة، واحتجوا أيضا بما رواه الإمام أحمد، وأهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به).
وذهب أبو حنيفة إلى أن اللائط يلقى من شاهق جبل، ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط، لقوله تعالى: وما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ وجعل اللّه مكان تلك البلاد بحيرة منتنة لا ينتفع بمائها، ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة لفنائها لرداءتها ودناءتها، فصارت عبرة ومثلة وعظة وآية على قدرة اللّه تعالى وعظمته وعزته في انتقامه ممن خالف أمره وكذب رسله واتبع هواه وعصى مولاه، ودليلا على رحمته بعبادة المؤمنين في انجائه إياهم من المهلكات، وإخراجه إياهم من النور إلى الظلمات، كما قال تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)، وقال تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذلِكَ