كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

إسرائيل الذين هم من سلالة نبي اللّه يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل اللّه، وكانوا إذ ذاك خيار أهل الأرض، وقد سلط عليهم هذا الملك الظالم الغاشم الكافر الفاجر يستعبدهم ويستخدمهم في أخس الصنائع والحرف وأرداها وأدناها ومع هذا: يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ ويَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وكان الحامل له على هذا الصنيع القبيح أن بني إسرائيل كانوا يتدارسون فيما بينهم ما يأثرونه عن إبراهيم عليه السلام من أنه سيخرج من ذريته غلام يكون هلاك ملك مصر على يديه وذلك، واللّه أعلم، حين كان جرى على سارة امرأة الخليل من ملك مصر من إرادته إياها على السوء، وعصمة اللّه لها، وكانت هذه البشارة مشهورة في بني إسرائيل، فتحدث بها القبط فيما بينهم، ووصلت إلى فرعون فذكرها له بعض أمرائه وأساورته وهم يسمرون عنده، فأمر عند ذلك بقتل أبناء بني إسرائيل حذرا من وجوه هذا الغلام، ولن يغني حذر من قدر.
وذكر السدي عن أبي صالح وأبي مالك، عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود وعن أناس من الصحابة: أن فرعون رأى في منامه كأن نارا قد أقبلت من نحو بيت المقدس، فأحرقت دور مصر وجميع القبط ولم تضر بني إسرائيل، فلما استيقظ هاله ذلك، فجمع الكهنة والحزأة والسحرة، وسألهم عن ذلك؟ فقالوا: هذا غلام يولد من هؤلاء يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه، فلهذا أمر بقتل الغلمان وترك النسوان، ولهذا قال اللّه تعالى: ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وهم بنو إسرائيل ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ أي الذين يؤول ملك مصر وبلادها إليهم ونُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ونُرِيَ فِرْعَوْنَ وهامانَ وجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ أي سنجعل الضعيف قويا، والمقهور قادرا، والذليل عزيزا، وقد جرى هذا كله لبني إسرائيل، كما قال تعالى في سورة الأعراف (137): وأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ ومَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا ودَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وقَوْمُهُ وما كانُوا

الصفحة 82