كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

يَعْرِشُونَ (137)، الآية، وقال تعالى في الدخان: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وعُيُونٍ (25) وزُرُوعٍ ومَقامٍ كَرِيمٍ (26) ونَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (27) كَذلِكَ وأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (28). وسيأتى تفصيل ذلك في موضعه إن شاء اللّه.
والمقصود: أن فرعون احترز كل الاحتراز أن لا يوجد موسى، حتى جعل رجالا وقوابل يدورون على الحبالى، ويعلمون ميقات وضعهن، فلا تلد امرأة ذكرا إلا ذبحه أولئك الذباحون من ساعته. وعند أهل الكتاب: أنه إنما كان يأمر بقتل الغلمان لتضعف شوكة بني إسرائيل، فلا يقاومونهم إذا غالبوهم أو قاتلوهم، وهذا فيه نظر، بل هو باطل، وإنما هذا في الأمر بقتل الولدان بعد بعثة موسى، كما قال تعالى: فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ واسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ، ولهذا قالت بنو إسرائيل لموسى: أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَاتِيَنا ومِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا فالصحيح: أن فرعون إنما أمر بقتل الغلمان أولا حذرا من وجود موسى، هذا والقدر يقول: يا أيها ذا الملك الجبار المغرور بكثرة جنوده، وسلطة بأسه واتساع سلطانه، قد حكم العظيم الذى لا يغالب ولا يمانع ولا يخالف أقداره، أن هذا المولود الذى تحترز منه وقد قتلت بسببه من النفوس ما لا يعد ولا يحصى، لا يكون مرباه إلا في دارك وعلى فراشك، ولا يغذى إلا بطعامك وشرابك في منزلك، وأنت الذى تتبناه وتربيه، وتتعداه ولا تطلع على سر معناه، ثم يكون هلاكك في دنياك وأخراك على يديه، لمخالفتك ما جاءك به من الحق المبين، وتكذيبك ما أوحى إليه لتعلم أنت وسائر الخلق أن رب السماوات والأرض هو الفعال لما يريد، وأنه هو القوى الشديد ذو البأس العظيم والحول والقوة والمشيئة التى لا مرد لها.
وقد ذكر غير واحد من المفسرين: أن القبط شكوا إلى فرعون قلة بني إسرائيل بسبب قتل ولدانهم الذكور، وخشى أن تتفانى الكبار مع قتل الصغار، فيصيرون هم الذين يلون ما كان بنو إسرائيل يعالجون، فأمر فرعون بقتل الأبناء عاما وأن يتركوا عاما، فذكروا أن هارون عليه السّلام ولد في عام المسامحة عن قتل الأبناء، وأن موسى عليه السلام ولد في عام قتلهم، فضاقت أمه به ذرعا واحترزت من أول ما حبلت، ولم يكن يظهر عليها مخاييل الحبل، فلما وضعت ألهمت أن اتخذت له تابوتا فربطته في

الصفحة 83