كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

وذكر المفسرون: أن الجواري التقطنه من البحر في تابوت مغلق عليه، فلم يتجاسرون على فتحه حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون: آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد الذى كان فرعون مصر في زمن يوسف، وقيل: إنها كانت من بني إسرائيل من سبط موسى، وقيل: بل كانت عمته، حكاه السهيلي، فاللّه أعلم.
وسيأتى مدحها والثناء عليها في قصة مريم بنت عمران، وأنهما يكونان يوم القيامة من أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في الجنة. فلما فتحت الباب وكشفت الحجاب رأت وجهه يتلألأ بتلك الأنوار النبوية والجلالة الموسوية، فلما رأته ووقع نظرها عليه أحبته حبا شديدا جدا، فلما جاء فرعون قال: ما هذا؟ وأمر بذبحه، فاستوهبته منه ودفعت عنه وقالت: قُرَّتُ عَيْنٍ لِي ولَكَ فقال لها فرعون: أما لك فنعم، وأما لى فلا، أي لا حاجة لى به والبلاء موكل بالمنطق، وقولها: عَسى أَنْ يَنْفَعَنا وقد أنالها اللّه ما رجت من النفع، أما في الدنيا: فهداها اللّه به، وأما في الآخرة: فأسكنها جنته بسببه أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وذلك أنهما تبنياه، لأنه لم يكن يولد لهما ولد، قال اللّه تعالى:
وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أي لا يدرون ما ذا يريد اللّه بهم أن قيضهم لالتقاطه من النقمة العظيمة بفرعون وجنوده وأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11) * وحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (12) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها ولا تَحْزَنَ ولِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ولكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13)، (القصص).
قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو عبيدة والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم: وأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً أي من كل شىء من أمور الدنيا إلا من موسى إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أي لتظهر أمره وتسأل عنه جهرة لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها أي صبرناها وثبتناها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وقالت لأخته وهى ابنتها الكبيرة: قُصِّيهِ أي اتبعى أثره واطلبي له خبره فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ

الصفحة 85