كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)
قال مجاهد: عن بعد. وقال قتادة: جعلت تنظر إليه وكأنها لا تريده، ولهذا قال:
وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ وذلك لأن موسى عليه السّلام لما استقر بدار فرعون أرادوا أن يغذوه برضاعة، فلم يقبل ثديا ولا أخذ طعاما، فحاروا في أمره واجتهدوا على تغذيته بكل ممكن، فلم يفعل، كما قال تعالى: وحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فأرسلوه مع القوابل والنساء إلى السوق لعلهم يجدون من يوافق رضاعته، فبينما هم وقوف به والناس عكوف عليه إذ بصرت به أخته، فلم تظهر إنها تعرفه بل قالت: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وهُمْ لَهُ ناصِحُونَ قال ابن عباس: لما قالت ذلك قالوا لها: ما يدريك بنصحهم وشفقتهم عليه؟ فقالت: رغبة في صهر الملك ورجاء منفعته، فأطلقوها وذهبوا معها إلى منزلهم، فأخذته أمه فلما أرضعته التقم ثديها، وأخذ يمتصه ويرتضعه، ففرحوا بذلك فرحا شديدا وذهب البشير إلى آسية يعلمها بذلك، فاستدعتها إلى منزلها وعرضت عليها أن تكون عندها، وأن تحسن إليها فأبت عليها، وقالت: إن لى بعلا وأولادا ولست أقدر على هذا إلا أن ترسليه معى فأرسلته معها، ورتبت لها رواتب وأجرت عليها النفقات والكسائي والهبات، فرجعت به تحوزه إلى رحلها وقد جمع اللّه شمله بشملها.
قال اللّه تعالى: فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها ولا تَحْزَنَ ولِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ أي كما وعدناها برده ورسالته فهذا رده، وهو دليل على صدق البشارة برسالته ولكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ وقد امتن اللّه على موسى بهذا ليلة كلمه، فقال له فيما قال: ولَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (37) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَاخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وعَدُوٌّ لَهُ وأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وذلك أنه كان لا يراه أحد إلا أحبه ولِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي إذ قال قتادة وغير واحد من السلف: أي تطعم وترفه وتغذى بأطيب المآكل وتلبس أحسن الملابس بمرأى مني، وذلك كله بحفظى وكلاءتي لك فيما صنعت بك لك، وقدرته من الأمور التي لا يقدر عليها غيري إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ