كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)
موسى فَوَكَزَهُ قال مجاهد: أي طعنه بجمع كفه، وقال قتادة: بعصا كانت معه فَقَضى عَلَيْهِ أي فمات منها، وقد كان ذلك القبطي كافرا مشركا باللّه العظيم، ولم يرد موسى قتله بالكلية، وإنما أراد زجره وردعه، ومع هذا قال موسى - كما في تتمة القصة في سورة القصص - : ودَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ .. أي من العز والجاه قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَاتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21).
يخبر تعالى أن موسى أصبح بمدينة مصر خائِفاً أي من فرعون وملئه أن يعلموا أن هذا القتيل الذى رفع إليه أمره إنما قتله موسى في نصرة رجل من بني إسرائيل، فتقوى ظنونهم أن موسى منهم، ويترتب على ذلك أمر عظيم، فصار يسير في المدينة في صبيحة ذلك اليوم خائِفاً يَتَرَقَّبُ أي يلتفت، فبينما هو كذلك إذا ذلك الرجل الإسرائيلي الذى استنصره بالأمس يَسْتَصْرِخُهُ أي يصرخ به ويستغيثه على آخر قد قاتله فعنفه موسى ولامه على كثرة شره ومخاصمته، قال له: إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ثم أراد أن يبطش بذلك القبطي الذى هو عدو لموسى وللإسرائيلي فيردعه عنه ويخلصه منه، فلما عزم على ذلك وأقبل على القبطي قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي