كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)
كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ قال بعضهم: إنما قال هذا الكلام الإسرائيلي الذى اطلع على ما كان صنع موسى بالأمس، وكأنه لما رأى موسى مقبلا إلى القبطي اعتقد أنه جاء إليه لما عنفه قبل ذلك بقوله: إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ فقال ما قال لموسى، وأظهر الأمر الذى كان وقع بالأمس، فذهب القبطي فاستعدى موسى إلى فرعون، وهذا الذى لم يذكر كثير من الناس سواه، ويحتمل أن قائل هذا هو القبطي، وأنه لما رآه مقبلا إليه خافه، ورأى من سجيته انتصارا جديدا للإسرائيلي، فقال ما قال من باب الظن والفراسة: إن هذا لعله قاتل ذاك القتيل بالأمس، أو لعله فهم من كلام الإسرائيلي حين استصرخه عليه ما دله على هذا، واللّه أعلم.
والمقصود: أن فرعون بلغه أن موسى هو قاتل ذلك المقتول بالأمس، فأرسل في طلبه، وسبقهم رجل ناصح عن طريق أقرب وجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ساعيا إليه مشفقا عليه، فقال: يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَاتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ أي من هذه البلدة إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ أي فيما أقوله لك، قال اللّه تعالى: فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ أي فخرج من مدينة مصر من فوره على وجهه، لا يهتدي إلى طريق، ولا يعرفه قائلا: ... رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) ولَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) ولَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ووَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)، (القصص).
يخبر تعالى عن خروج عبده ورسوله وكليمه من مصر خائِفاً يَتَرَقَّبُ أي يتلفت، خشية أن يدركه أحد من قوم فرعون، وهو لا يدري أين يتوجه، ولا إلى أين يذهب، وذلك لأنه لم يخرج من مصر قبلها ولَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ أي اتجه له طريق يذهب فيه قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ أي عسى أن تكون هذه