كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

الطريق موصلة إلى المقصود، وكذا وقع، فقد أوصلته إلى مقصود وأي مقصود ولَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وكانت بئرا يستقون منها، ومدين هي المدينة التى أهلك اللّه فيها أصحاب الأيكة، وهم قوم شعيب عليه السّلام، وقد كان هلاكهم قبل زمن موسى عليه السّلام في أحد قولي العلماء ولما ورد الماء المذكور وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ووَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ أي تكفكفان غنمهما أن تختلط بغنم الناس. وعند أهل الكتاب: أنهن كن سبع بنات، وهذا أيضا من الغلط، وكأنه كن سبعا، ولكن إنما كان تسقي اثنتان منهن، وهذا الجمع ممكن إن كان ذاك محفوظا، وإلا فالظاهر أنه لم يكن له سوى بنتان قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ أي لا نقدر على ورود الماء إلا بعد صدور الرعاء، لضعفنا، وسبب مباشرتنا هذه الرعية ضعف أبينا وكبره، قال اللّه تعالى: فَسَقى لَهُما.
قال المفسرون: وذلك أن الرعاء كانوا إذا فرغوا من وردهم وضعوا على فم البئر صخرة عظيمة، فتجيء هاتان المرأتان فيشرعان غنمهما في فضل أغنام الناس، فلما كان ذلك اليوم جاء موسى فرفع تلك الصخرة وحده، ثم استقى لهما وسقى غنمهما، ثم رد الحجر كما كان، قال أمير المؤمنين عمر: وكان لا يرفعه إلا عشرة، وإنما استقى ذنوبا واحدا فكفاهما، ثم تولى إلى الظل، قالوا: وكان ظل شجرة من السمر، روى ابن جرير عن ابن مسعود أنه رآها خضراء ترف فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال ابن عباس: سار من مصر إلى مدين لم يأكل إلا البقل وورق الشجر، وكان حافيا، فسقطت نعلا قدميه من الحفاء، وجلس في الظل، وهو صفوة اللّه من خلقه، وإن بطنه للاصق بظهره من الجوع، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه، وأنه لمحتاج إلى شق تمرة، قال عطاء بن السائب لما فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ أسمع المرأة فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَاجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَاجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قالَ إِنِّي

الصفحة 90