كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)
أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَاجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ واللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (28)، (القصص) .. لما جلس موسى عليه السّلام في الظل وفَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ سمعته المرأتان فيما قيل، فذهبتا إلى أبيهما، فيقال: إنه استنكر سرعة رجوعهما فأخبرتاه ما كان من أمر موسى عليه السّلام، فأمر إحداهما أن تذهب إليه فتدعوه، فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ أي مشي الحرائر قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا صرحت له بهذا لئلا يوهم كلامها ريبة، وهذا من تمام حيائها وصيانتها، فَلَمَّا جاءَهُ وقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ، وأخبره خبره، وما كان من أمره في خروجه من بلاد مصر فرارا من فرعونها قالَ له ذلك الشيخ: لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي خرجت من سلطانهم، فلست في دولتهم.
وقد اختلفوا في هذا الشيخ من هو؟ فقيل: هو شعيب عليه السّلام، وهذا هو المشهور عند كثيرين وممن نص عليه الحسن البصري ومالك بن أنس، وجاء مصرحا به في حديث، ولكن في إسناده نظر، وصرح طائفة بأن شعيبا عليه السّلام عاش عمرا طويلا بعد هلاك قومه، حتى أدركه موسى عليه السّلام وتزوج بابنته. وروى ابن أبي حاتم وغيره عن الحسن البصرى: أن صاحب موسى عليه السّلام هذا اسمه شعيب، وكان سيد الماء، ولكن ليس بالنبي صاحب مدين. وقيل: إنه ابن أخي شعيب، وقيل: ابن عمه، وقيل: رجل مؤمن من قوم شعيب، وقيل: رجل اسمه يثرون، هكذا هو في كتب أهل الكتاب: يثرون كاهن مدين، أي كبيرها وعالمها. قال ابن عباس وأبو عبيدة بن عبد اللّه: اسمه يثرون: زاد أبو عبيدة: وهو ابن أخى شعيب. زاد ابن عباس: صاحب مدين.
والمقصود: أنه لما أضافه، وأكرم مثواه، وقص عليه ما كان من أمره، بشره بأنه قد نجا، فعند ذلك قالت إحدى البنتين لأبيها: يا أَبَتِ اسْتَاجِرْهُ أي لرعي غنمك، ثم