كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

له أنه القادر على كل شيء الذى يقول للشيء كن فيكون: وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17) أي أما هذه عصاك التى تعرفها منذ صحبتها؟ قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي ولِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18) أي بل هذه عصاي التى أعرفها وأتحققها قالَ أَلْقِها يا مُوسى (19) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (20) وهذا خارق عظيم وبرهان قاطع على أن الذى يكلمه يقول للشيء كن فيكون، وأنه الفعال بالاختيار.
وعند أهل الكتاب: أنه سأل برهانا على صدقه عند من يكذبه من أهل مصر، فقال له الرب عز وجل: ما هذه التى في يدك؟ قال: عصاي، قال: ألقها إلى الأرض فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى فهرب موسى من قدامها، فأمره الرب عز وجل أن يبسط يده ويأخذها بذنبها، فلما استمكن منها ارتدت عصا في يده، وقد قال اللّه تعالى في الآية الأخرى: وأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً ولَمْ يُعَقِّبْ أي قد صارت حية عظيمة لها ضخامة هائلة وأنياب تصك، وهي مع ذلك في سرعة حركة الجان، وهو ضرب من الحيات، يقال: الجان والجنان، وهو لطيف ولكن سريع الاضطراب والحركة جدا، فهذه جمعت الضخامة والسرعة الشديدة، فلما عاينها موسى عليه السلام وَلَّى مُدْبِراً أي هاربا منها، لأن طبيعته البشرية تقتضى ذلك ولَمْ يُعَقِّبْ أي ولم يلتفت فناداه ربه، قائلا له: يا مُوسى أَقْبِلْ ولا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ فلما رجع أمره اللّه تعالى أن يمسكها قالَ خُذْها ولا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (21) فيقال: إنه هابها شديدا فوضع يده في كم مدرعته، ثم وضع يده في وسط فمها. وعند أهل الكتاب: أمسك بذنبها، فلما استمكن منها إذا هي قد عادت كما كانت عصا ذات شعبتين، فسبحان القدير العظيم رب المشرقين والمغربين، ثم أمره تعالى بإدخال يده في جيبه ثم أمره بنزعها، فإذا هى تتلألأ كالقمر بياضا من غير سوء، أي من غير برص ولا بهق، ولهذا قال: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ واضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ قيل: معناه إذا خفت فضع يدك على فؤادك يسكن جأشك، وهذا وإن كان خاصا به، إلا أن بركة الإيمان به حق بأن ينفع من استعمل

الصفحة 97