كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي (اسم الجزء: 1)

وينال الثأر طَالبه ... بَعْدَمَا تسلو المثاكيل
مُضْمر حقدا ومنصله ... مغمد فِي الجفن مسلول
قَالَ: فَلَمَّا قرب عبد الله بن طَاهِر مني، استوحشت من الْمقَام خوفًا على نَفسِي، وَرَأَيْت بعدِي وتسليمي حرمي عارا بَاقِيا، وَلم يكن لي إِلَى هربي بِالْحرم سَبِيل، فأقمت على أتم خوف مستسلما للاتفاق، حَتَّى إِذا كَانَ الْيَوْم الَّذِي قيل إِنَّه ينزل فِيهِ الْعَسْكَر بِهَذِهِ النواحي أغلقت بَاب حصني، وأقمت هَذِه الْجَارِيَة السَّوْدَاء ربيئة تنظر لي على مرقب من شرف الْحصن، وأمرتها أَن تعرفنِي الْموضع الَّذِي ينزل فِيهِ الْعَسْكَر قبل أَن يفجأني، ولبست ثِيَاب الْمَوْت أكفانا، وتطيب، وتحنطت.
فَلَمَّا رَأَتْ الْجَارِيَة الْعَسْكَر يقْصد حصني، نزلت فعرفتني، فَلم يرعني إِلَّا دق بَاب الْحصن فَخرجت، فَإِذا عبد الله بن طَاهِر، وَاقِف وَحده، مُنْفَرد عَن أَصْحَابه، فَسلمت عَلَيْهِ سَلام خَائِف، فَرد عَليّ بن الْحسن غير مستوحش، فأومات إِلَى تَقْبِيل رجله فِي الركاب، فَمنع ألطف منع وَأحسنه، وَنزل على دكان على بَاب الْحصن.
ثمَّ قَالَ: ليسكن روعك، فقد أَسَأْت الظَّن بِنَا، وَلَو علمنَا أَنا بزيارتنا لَك نروعك مَا قصدناك.
ثمَّ أَطَالَ الْمَسْأَلَة، حَتَّى رأى الثِّقَة مني قد ظَهرت، فَسَأَلَنِي عَن سَبَب مقَامي فِي الْبر، وإيثاري إِيَّاه على الْحَاضِرَة، ورفاهة عيشها، وَعَن حَال ضيعتي ومعاملتي فِي ناحيتي، فأجبته بِمَا حضر لي.

الصفحة 347