كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي (اسم الجزء: 1)

فَلَمَّا ولي عبد الله مصر، ورد إِلَيْهِ تَدْبِير الشَّام، علم الحصني أَنه لَا يفلت مِنْهُ إِن هرب، وَلَا ينجو من يَده حَيْثُ حل، فَثَبت مَكَانَهُ، وأحرز حرمه، وَترك أَمْوَاله وكل مَا يملكهُ فِي مَوْضِعه، وَفتح بَاب حصنه، وَهُوَ يتَوَقَّع من عبد الله أَن يُوقع بِهِ.
قَالَ: فَلَمَّا شارفنا بَلَده، وَكُنَّا على أَن نصبحه دَعَاني عبد الله فِي اللَّيْل، فَقَالَ: بت عِنْدِي، وَليكن فرسك معدا، فَفعلت، فَلَمَّا كَانَ فِي السحر، أَمر غلمانه وَأَصْحَابه أَن لَا يرحلوا حَتَّى تطلع الشَّمْس، وَركب هُوَ أَنا وَخَمْسَة من خَواص غلمانه، وَسَار حَتَّى صبح الحصني، فَرَأى بَابه مَفْتُوحًا، وَرَآهُ جَالِسا مسترسلا، فقصده وَسلم عَلَيْهِ، وَنزل عِنْده.
وَقَالَ: مَا أجلسك هَاهُنَا، وحملك على أَن تفتح بابك، وَلم تتحصن من هَذَا الْجَيْش الْمقبل، وَلم تتنح عَن عبد الله بن طَاهِر، مَعَ علمك بِمَا فِي نَفسه مِنْك، وَمَا بلغه عَنْك؟ فَقَالَ: إِن الَّذِي قلت لم يذهب عني، وَلَكِنِّي تَأَمَّلت أَمْرِي، وَعلمت أَنِّي قد أَخْطَأت عَلَيْهِ خَطِيئَة حَملَنِي عَلَيْهَا نزق الشَّبَاب، وغرة الحداثة، وَأَنِّي إِن هربت مِنْهُ لم أفته، فباعدت الْحرم، واستسلمت بنفسي وَبِكُل مَا أملك، فَإنَّا أهل بَيت قد أسْرع فِينَا الْقَتْل، ولي بِمن مضى من أَهلِي أُسْوَة، وَأَنا واثق بِأَن الرجل إِذا قتلني، وَأخذ مَالِي، شفى غيظه، فَلم يتَجَاوَز ذَلِك إِلَى الْحرم، وَلَا لَهُ فِيهِنَّ أرب، وَلَا يُوجب جُرْمِي إِلَيْهِ أَكثر مِمَّا بذلته.
فوَاللَّه، مَا أَجَابَهُ عبد الله إِلَّا بدموعه تجْرِي على لحيته، ثمَّ قَالَ لَهُ: أتعرفني؟ قَالَ: لَا وَالله.
قَالَ: أَنا عبد الله بن طَاهِر، وَقد أَمن الله روعك، وحقن دمك، وصان حَرمك، وحرس نِعْمَتك، وَعَفا عَن ذَنْبك، وَمَا تعجلت إِلَيْك وحدي، إِلَّا

الصفحة 351