كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي (اسم الجزء: 1)

ويدني مَجْلِسه، وَجعله أول دَاخل وَآخر خَارج من عِنْده، فاستفرغ مديحه كُله فِيهِ، فحسده النَّاس من أهل بَيت الْوَلِيد، وَقدم حَمَّاد الرِّوَايَة، فِي تِلْكَ الْأَيَّام إِلَى الشَّام.
فَقَالُوا لَهُ: قد ذهب طريح بالأمير كل مَذْهَب، فَمَا لنا مَعَه ليل وَلَا نَهَار.
فَقَالَ حَمَّاد: اطْلُبُوا لي من ينشده بَيْتَيْنِ من الشّعْر فِي خلْوَة لأسقط مَنْزِلَته عِنْده.
فطلبوا إِلَى الْخصي الَّذِي كَانَ يقوم على رَأس الْوَلِيد، وَجعلُوا لَهُ عشرَة آلَاف دِرْهَم، على أَن ينشد بَيْتَيْنِ من الشّعْر، على خلْوَة، فَإِذا سَأَلَهُ عَنْهُمَا وَعَن قائلهما، قَالَ لَهُ: طريح، فأجابهم الْخصي إِلَى ذَلِك، وَتعلم الْبَيْتَيْنِ.
فَلَمَّا كَانَ ذَات يَوْم دخل طريح على الْوَلِيد، وَدخل النَّاس، وجلسوا طَويلا، ثمَّ نهضوا، وَبَقِي طريح مَعَ الْوَلِيد بغدائه فتغديا، ثمَّ إِن طريحا خرج، فَركب إِلَى منزله، وَبَقِي الْوَلِيد وَحده فِي مَجْلِسه لَيْسَ مَعَه أحد، فاستقلي على فرَاشه، فاغتنم الْخصي خلوته، فأنشده الْبَيْتَيْنِ، وهما:
سيري ركابي إِلَى من تسعدين بِهِ ... فقد أَقمت بدار الْهون مَا صلحا
سيري إِلَى سيد سمح خلائقه ... ضخم الدسيعة قرم يحمل المدحا
فأصغى الْوَلِيد إِلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: من يَقُول هَذَا يَا غُلَام؟

الصفحة 357