كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي (اسم الجزء: 1)

أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ {104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {105} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ {106} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ {107} وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ {108} سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ {109} } [سُورَة الصافات: 101-109] .
فَلَا بلَاء أعظم من بلَاء يشْهد الله تَعَالَى أَنه بلَاء مُبين، وَهُوَ تَكْلِيف الْإِنْسَان، أَن يَجْعَل بسبيل الذّبْح ابْنه، وتكليفه , وتكليف الْمَذْبُوح، أَن يؤمنا ويصبرا، ويسلما ويحتسبا، فَلَمَّا أديا مَا كلفا من ذَلِك، وَعلم الله عز وَجل مِنْهُمَا صدق الْإِيمَان، وَالصَّبْر وَالتَّسْلِيم والإذعان، فدى الابْن بِذبح عَظِيم وجازى الْأَب بِابْن آخر على صبره، وَرضَاهُ بِذبح ابْنه الَّذِي لم يكن غَيره، قَالَ الله عز وَجل: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 112] ، إِلَى قَوْله: {لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات: 113] ، وخلصهما بصبرهما وتسليمهما من تِلْكَ الشدائد الهائلة.
وَقد ذهب قوم إِلَى أَن إِبْرَاهِيم إِنَّمَا كلف ذبح ابْنه فِي الْحَقِيقَة، لَا على مَا ذهب إِلَيْهِ من ذَلِك أَن الَّذِي كلفه أَن يَجْعَل ابْنه بسبيل الذّبْح، لَا أَن يذبحه فِي الْحَقِيقَة، وَاسْتدلَّ الْحسن الْبَصْرِيّ على أَن إِسْمَاعِيل هُوَ الذَّبِيح، لَا إِسْحَاق، وَأَن الْمَأْمُور بِهِ كَانَ الذّبْح فِي الْحَقِيقَة، بقوله تَعَالَى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71] ، فحصلت لإِبْرَاهِيم الْبُشْرَى، بِأَنَّهُ سيرزق إِسْحَاق، وَأَن إِسْحَاق سيرزق يَعْقُوب، وَلَا يجوز للنَّبِي أَن يشك فِي بِشَارَة الله تَعَالَى، فَلَو كَانَ إِسْحَاق هُوَ الذَّبِيح، مَا صَحَّ أَن يَأْمُرهُ بذَبْحه قبل خُرُوج يَعْقُوب من ظَهره، لِأَنَّهُ كَانَ إِذا أَمر بذلك، علم أَن الْبُشْرَى الأولة، تمنع من ذبح إِسْحَاق

الصفحة 68