كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 1)

وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ لَبِسَ عِمَامَةً قَبْلَ طُهْرٍ كَامِلٍ. فَلَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ لَبِسَهَا، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ: خَلَعَ عَلَى الْأُولَى ثُمَّ لَبِسَ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَجُوزُ الْمَسْحُ. وَلَوْ لَبِسَهَا مُحْدِثًا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَرَفَعَهَا رَفْعًا فَاحِشًا فَكَذَلِكَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كَمَا لَوْ لَبِسَ الْخُفَّ مُحْدِثًا، فَلَمَّا غَسَلَ رِجْلَيْهِ رَفَعَهَا إلَى السَّاقِ، ثُمَّ أَعَادَهَا، وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْهَا رَفْعًا فَاحِشًا: احْتَمَلَ أَنَّهُ كَمَا لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ.
لِأَنَّ الرَّفْعَ الْيَسِيرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ اللُّبْسِ. وَلِهَذَا لَا تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ بِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَابْتِدَاءِ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَفَا عَنْهُ هُنَاكَ لِلْمَشَقَّةِ. انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ اخْتَارَ: أَنَّ الْعِمَامَةَ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا ابْتِدَاءُ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ. وَيَكْفِي فِيهَا الطَّهَارَةُ الْمُسْتَدَامَةُ. وَقَالَ أَيْضًا: يَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَخْلَعَهَا بَعْدَ وُضُوئِهِ، ثُمَّ يَلْبَسَهَا بِخِلَافِ الْخُفِّ.
وَهَذَا مُرَادُ ابْنِ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ فِي الْعِمَامَةِ. هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَبِسَهَا عَلَى طَهَارَةٍ؟ عَنْهُ: رِوَايَتَانِ. أَمَّا مَا لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ: فَبَعِيدٌ إرَادَتُهُ جِدًّا. فَلَا يَنْبَغِي حَمْلُ الْكَلَامِ الْمُحْتَمَلِ عَلَيْهِ.
قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ وُصُولِ الْقَدَمِ مَحَلَّهَا: لَمْ يَمْسَحْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَلِهَذَا لَوْ غَسَلَهَا فِي هَذَا الْمَكَانِ، ثُمَّ أَدْخَلَهَا مَحَلَّهَا: يَمْسَحُ. وَعَنْهُ يَمْسَحُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَمْسُوحُ عَلَيْهِ جَبِيرَةٌ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: اشْتِرَاطُ تَقَدُّمِ الطَّهَارَةِ لِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهَا. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: يُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ لَهَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: يُشْتَرَطُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُشْتَرَطُ لَهَا الطَّهَارَةُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَقْوَى

الصفحة 173