كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 1)

الثَّانِي: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ غَسْلِهَا إذَا قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ السِّوَاكِ. فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَا وَهُنَاكَ. فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْغَسْلِ: أَثَّرَ فِي الْمَاءِ مَنْعًا، وَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِحْبَابِ: فَلَا، وَقَطَعَ بِهَذَا فِي الْفُصُولِ، وَالْكَافِي، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ: أَنَّا إنْ قُلْنَا " غَسْلُهُمَا وَاجِبٌ " فَهُوَ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ، وَإِنْ قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِهِ: فَهُوَ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي طَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: فَأَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ فِي تَعَبُّدٍ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ، كَغَسْلِ الْيَدَيْنِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، فَإِنْ قُلْنَا " لَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ " لَمْ يُؤَثِّرْ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَاءِ. وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ طَاهِرٌ، غَيْرُ مُطَهِّرٍ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُتَبَرَّدَ بِهِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: فَإِنْ غَمَسَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا، فَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يُوجِبْ غَسْلَهَا: لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهَا شَيْئًا. وَمَنْ أَوْجَبَهُ، قَالَ: إنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يُؤَثِّرْ. وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا، فَقَالَ أَحْمَدُ: أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يُهْرِيقَهُ. فَيَحْتَمِلُ وُجُوبَ إرَاقَتِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَزُولَ طَهُورِيَّتُهُ. وَمَالَ إلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: إنْ قُلْنَا " غَسْلُهُمَا سُنَّةٌ " فَهَلْ يُؤَثِّرُ الْغَمْسُ؟ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ غَمَسَ قَائِمٌ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ يَدَهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا، وَقُلْنَا بِوُجُوبِ غَسْلِهَا: زَالَتْ طَهُورِيَّتُهُ. فَأَنَاطَ الْحُكْمَ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ غَسْلِهَا.
وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: إذَا غَمَسَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا. وَكَذَا إنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ وَالْمَاءُ كَثِيرٌ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا كُرِهَ الْوُضُوءُ.
لِأَنَّ النَّهْيَ يُفِيدُ مَنْعًا. وَإِلَّا فَطَهُورِيَّتُهُ بَاقِيَةٌ. وَقِيلَ: النَّهْيُ تَعَبُّدٌ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ شَيْئًا. وَقِيلَ: يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ بِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ مَا قُلْنَا. انْتَهَى.

الصفحة 39