كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 1)

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: سَوَّى بَعْضُ أَصْحَابِنَا بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَلَمْ يُخَرِّجْ طَائِفَةً مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. وَكَذَا قَالَ فِي أُصُولِهِ. وَأَكْثَرُ مَنْ خَرَّجَ خَرَّجَهَا مِمَّنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ، كَمَا خَرَّجَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَخَرَّجَهَا الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ مِنْ مَسْأَلَةِ مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ. وَأَمَّا مَنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ: فَإِنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَخَرَّجَ الْإِعَادَةَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَلَمْ يُخَرِّجْ بَعْضَهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ وَهُوَ أَظْهَرُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: هُوَ مَا قَالَهُ أَوْ جَرَى مِنْهُ مَجْرَى الْقَوْلِ مِنْ تَنْبِيهٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَفِي جَوَازِ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ، أَوْ مِنْ فِعْلِهِ، أَوْ مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِهِ: وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَا قِيسَ عَلَى كَلَامِهِ مَذْهَبُهُ: لَوْ أَفْتَى فِي مَسْأَلَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ: لَمْ يَجُزْ النَّقْلُ وَالتَّخْرِيجُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَى الْأُخْرَى. كَقَوْلِ الشَّارِعِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ، وَالطُّوفِيُّ فِي أُصُولِهِ وَشَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: الْجَوَازَ. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي أُصُولِهِ: وَالْأَوْلَى جَوَازُ ذَلِكَ، بَعْدَ الْجَدِّ وَالْبَحْثِ مِنْ أَهْلِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُطْلِعِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قُلْت: كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ عَلَى جَوَازِ النَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ فِي الْمُخْتَصَرَاتِ وَالْمُطَوَّلَاتِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ الْمُخَرَّجُ وَجْهًا لِمَنْ خَرَّجَهُ. وَعَلَى الثَّانِي: يَكُونُ رِوَايَةً مُخَرَّجَةً، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَتَحْرِيرُهُ آخِرَ الْكِتَابِ فِي الْقَاعِدَةِ. وَكَذَا لَوْ نَصَّ عَلَى حُكْمٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَسَكَتَ عَنْ نَظِيرَتِهَا. فَلَمْ يَنُصَّ عَلَى حُكْمٍ فِيهَا. لَا يَجُوزُ نَقْلُ حُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إلَى الْمَسْكُوتِ عَنْهُ، بَلْ هُنَا عَدَمُ النَّقْلِ أَوْلَى.

الصفحة 461