كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 1)

تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا: إذَا قُلْنَا يَتَحَرَّى إذَا كَثُرَ عَدَدُ الطَّاهِرِ. فَهَلْ يَكْفِي مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ وَلَوْ بِوَاحِدٍ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْكَثْرَةِ عُرْفًا، أَوْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ تِسْعَةٌ طَاهِرَةٌ وَوَاحِدٌ نَجِسٌ، أَوْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ عَشَرَةٌ طَاهِرَةٌ وَوَاحِدٌ نَجِسٌ؟ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. قَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ يَكْفِي مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. الْعُرْفَ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، فَقَالَ: يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِمَا كَثُرَ عَادَةً وَعُرْفًا، وَاخْتَارَهُ النَّجَّادُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالتَّحَرِّي: إذَا كَانَ النَّجِسُ عُشْرَ الطَّاهِرِ: يَتَحَرَّى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي جَامِعِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: اعْتِبَارُ ذَلِكَ بِعَشَرَةٍ طَاهِرَةٍ وَوَاحِدٍ نَجِسٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ وَأَطْلَقَ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ: الزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقُ. الثَّانِي: قَوْلُهُ " لَمْ يَتَحَرَّ فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ " يُشْعِرُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ كَثُرَ عَدَدُ النَّجِسِ الطَّاهِرِ، أَوْ تَسَاوَيَا. وَلَا قَائِلَ بِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ، لَكِنْ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَجْرَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَقَالَ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ، وِفَاقًا لِدَاوُدَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالْمُزَنِيِّ. وَسَحْنُونٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ.
قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُرِدْ هَذَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذَا الْقَوْلِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ " فَدَلَّ أَنَّ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافًا مَوْجُودًا قَبْلَهُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَثُرَ عَدَدُ الطَّاهِرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
أَمَّا إذَا تَسَاوَيَا، أَوْ كَانَ عَدَدُ النَّجِسِ أَكْثَرَ: فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ التَّحَرِّي، إلَّا تَوْجِيهٌ لِصَاحِبِ الْفَائِقِ، مَعَ التَّسَاوِي، رَدًّا إلَى الْأَصْلِ. فَيَحْتَاجُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إلَى جَوَابٍ لِتَصْحِيحِهِ.

الصفحة 72