كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 1)

فَأَجَابَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، بِأَنْ قَالَ: هَذَا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُتَوَاطِئِ إذَا أُرِيدَ بِهِ بَعْضُ مَحَالِّهِ. وَهُوَ مَجَازٌ سَائِغٌ.
قُلْت: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِشْكَالَ إنَّمَا هُوَ فِي مَفْهُومِ كَلَامِهِ، وَالْمَفْهُومُ لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَابْنِ عَقِيلٍ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ، وَأَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ، كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَهَذَا مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ كَلَامِ غَيْرِ الشَّارِعِ. ثُمَّ ظَهَرَ لِي جَوَابٌ آخَرُ أَوْلَى مِنْ الْجَوَابَيْنِ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ أَنَّ الْإِشْكَالَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ. وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ لَقَيَّدَهُ. وَلَهُ فِي كِتَابِهِ مَسَائِلُ كَذَلِكَ، نَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْخُطْبَةِ.
فَوَائِدُ
إحْدَاهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْقَائِلِينَ بِالتَّحَرِّي: أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ مَعَهُ. فَقَدْ يُعَايَى بِهَا. الثَّانِيَةُ: حَيْثُ أَجَزْنَا لَهُ التَّحَرِّي، فَتَحَرَّى فَلَمْ يَظُنَّ شَيْئًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَرَاقَهُمَا، أَوْ خَلَطَهُمَا بِشَرْطِهِ الْمَذْكُورِ. انْتَهَى.
قُلْت: فَلَوْ قِيلَ بِالتَّيَمُّمِ مِنْ غَيْرِ إرَاقَةٍ وَلَا خَلْطٍ. لَكَانَ أَوْجَهَ، بَلْ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ الْمُشْتَبَهِ هُنَا كَعَدَمِهِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ طَهُورٌ بِيَقِينٍ.
أَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ طَهُورٌ بِيَقِينٍ. فَإِنَّهُ لَا يَتَحَرَّى، قَوْلًا وَاحِدًا.
وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا: إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَطْهِيرُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ: فَإِنْ أَمْكَنَ تَطْهِيرُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ: امْتَنَعَ مِنْ التَّيَمُّمِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَجَازُوا التَّيَمُّمَ هُنَا بِشَرْطِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الطَّهُورِ. وَهُنَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ.

الصفحة 73