كتاب التمهيد في أصول الفقه (اسم الجزء: 1)

والصحة والسقم لأنه يخالفها، ((أو)) يكون عالماً بدقائق العلوم ومحاسنها ولا يكون عاقلاً. وهذا المعنى لا نراه في أحد. وإذا بطل أنه يخالف سائر العلوم بقي أنه يكون من جنس العلوم.
٤٦ - وبعد ذلك يدل على أنه ليس بجميع العلوم بأن يقول: العلم يشتمل على ضروري ومكتسب، ومعلوم أن الإنسان لو لم يكتسب العلم ولم يفكر في الدلائل يسمى عاقلاً، فإذا خرج منه العلم المكتسب، لم يبق إلا أنه علم ضروري. فنحن نبطل أنه جميع العلوم الضروريات بأن نقول: لو عدم الحواس الخمس مثل: السمع والبصر والشم والذوق واللمس، فإن هذه لا شك يحصل بها علم ضروري، ولو عدمت يسمى عاقلاً ويكون عاقلاً، ولهذا لو قيل له ما يضره وما ينفعه اختار ما ينفعه. وعكس هذا الصبي والبهيمة فإنه يحصل لهم علم ضروري، مثل حسهم بالألم وغير ذلك، مع هذا لا يكونون عقلاء، فيثبت أيضاً أنه ليس بجميع العلوم الضروريات وإنما هو بعضها، مثل: أن يعلم الإنسان استحالة اجتماع الضدين، وكون الجسم في مكانين، وأن الواحد أقل من الاثنين، وعلمه بوجود العالم، وهل كان له ابتداء، أو لم يكن له ابتداء، ومثل علمه بأخبار التواتر، مثل أن يخبر بالبلاد النائية، والرسل الماضية، فهذا يحصل له العلم (الضروري) ومثل أن يرد عقله خرق العادات فهذا يكون عاقلاً.

الصفحة 47