كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

يكونَ في الشيءِ لونانِ مختلفانِ، فكلُّ - مثلاً - شيءٍ فيه لونانِ مختلفانِ تقولُ العربُ: فيه وَشْيٌ (¬1). واذا كان - مثلاً - حمارُ الوحشِ أو الثورُ فيه خطوطٌ - يعني تُخَالِفُ لونَه في أَرْجُلَهُ - يقولون له: مَوْشِي. أي: فيه وَشْيٌ. ومن هذا المعنى قولُ نابغةِ ذبيانَ (¬2):
كَأَنَّ رَحْلِي وقَدْ زَالَ النَّهَارُ بِنَا ... بِذِي (¬3) الْجَلِيلِ (¬4) عَلَى مُسْتَأْنَسٍ وَحَدِ
مِنْ وَحْشِ وجْرَةَ (¬5) مَوْشِيٍّ أَكَارِعُهُ ... طَاوِي الْمَصِيرِ (¬6) كَسَيْفِ الصَّيْقَلِ الْفَرَدِ
(مَوْشِيٍّ أَكَارِعُهُ) يعني [أن] (¬7) فيها وَشْيًا. أي: خطوطًا تُخَالِفُ لونَه، فمعنى {لاَّ شِيَةَ فِيهَا} أي: لا وشيَ من خطوطٍ مخالفةٍ للونها، بل لونُها كُلُّهُ أصفرُ فاقعٌ على وتيرةٍ واحدةٍ، حتى قال بعضُ العلماءِ (¬8): إن أظلافَها وقرونَها صفرٌ. وهذا معنى قوله: {لاَّ شِيَةَ فِيهَا}.
{قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} الأَلِفُ واللامُ زائدتانِ لزومًا في {الآنَ} (¬9). وهي يُعَبَّرُ عنها بالوقتِ الحاضرِ. وبعضُ العلماءِ يقولُ:
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (1/ 454)، الدر المصون (1/ 431).
(¬2) ديوان النابغة الذبياني ص10 - 11.
(¬3) في الديوان: (يوم).
(¬4) واد قرب مكة، وقد جاوزه البنيان في هذا الوقت.
(¬5) وجرة: اسم مكان معروف بين مكة والبصرة، بينها وبين مكة نحو أربعين ميلا، ليس فيها منزل، فهي مرتع للوحش. انظر: معجم البلدان (5/ 362).
(¬6) أي: ضامر البطن.
(¬7) في الأصل: أنها.
(¬8) انظر: ما نقله ابن جرير عن بعض السلف في هذا المعنى في التفسير (2/ 199 - 200).
(¬9) انظر: الدر المصون (1/ 433).

الصفحة 135