كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

من الدَّرْءِ، بمعنى الدفعِ، والقاعدةُ المقررةُ في علمِ العربيةِ: أن (تفاعلَ) و (تفعَّلَ) - مثلاً - إذا أريد فيهما الإدغامُ اسْتُجْلِبَتْ همزةُ الوصلِ لِيُمْكِنَ النطقُ بالساكنِ؛ إذ العربُ لا تبتدئُ بساكنٍ. أصلُه: (تدارأتم) فأريدَ إدغامُ تاءِ التفَاعُلِ في الدالِ التي هي فاءُ الكلمةِ فَسُكِّنَ لأَجْلِ الإدغامِ، فاستُجْلِبتْ همزةُ الوصلِ توصُّلاً للنطقِ بالساكنِ (¬1). وهذا كثيرٌ في القرآنِ في (تفاعل) و (تفعَّل) نحو {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ} [التوبة: آية 38] أصلُه: تَثَاقَلْتُمْ {قَالُوا اطَّيَّرْنَا} [النمل: آية 47] أصلُه: تَطَيَّرْنَا {وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا} [يونس: آية 24] أصلُه: تَزَيَّنَتْ، إلى غيرِ ذلك من الآياتِ. ونظيرُ هذا الإدغامِ في (تَفَاعَل) ونحوها من كلامِ العربِ قولُ الشاعرِ (¬2):
تُولِي الضَّجِيعَ إِذَا مَا الْتَذَّهَا (¬3) خَصِرَا عَذْبَ الْمَذَاقِ إِذَا مَا اتَّابَعَ الْقُبَلُ
يَعْنِي: إذا ما تَتَابَعَ القُبَلُ.
ومعنى {فَادَّارَأْتُمْ}: تدارأتم من الدرءِ، والدرءُ معناه: الدفعُ. والمعنى: تَدَافَعْتُمْ قَتْلَ القتيلِ. أي: كُلٌّ منكم يدفعُ قتلَه عن نفسِه إلى صاحبِه، بأن يقولَ هؤلاء: قَتَلَهُ غَيْرُنَا، أنتم قَتَلْتُمُوهُ، وهؤلاء يقولون: بل أنتم الذين قَتَلْتُمُوهُ، ونحن لم نَقْتُلْهُ. واختلافُ العلماءِ فيه (¬4) - بمعنى قولِ بعضِهم: {فَادَّارَأْتُمْ} أي: تَنَازَعْتُمْ. وقولُ بعضِهم: {فَادَّارَأْتُمْ} اختلفتم - كُلُّهُ عائدٌ إلى مَا ذَكَرْنَا.
¬_________
(¬1) انظر: الدر المصون (1/ 434).
(¬2) انظر: ابن جرير (2/ 224)، القرطبي (8/ 140).
(¬3) في ابن جرير: (استافها).
(¬4) انظر: ابن جرير (2/ 222، 224).

الصفحة 143