كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

والصبرُ يتناولُ الصبرَ على طاعةِ اللَّهِ، وإن كنتَ كالقابضِ على الجمرِ، والصبرَ عن معصيةِ اللَّهِ وَإِنِ اشْتَعَلَتْ نارُ الشهواتِ، ويدخلُ في ذلك الصبرُ على المصائبِ (¬1) عندَ الصدمةِ الأُولَى، والصبرُ على الموتِ تحتَ ظلالِ السيوفِ.
وقولُه: {وَالصَّلاةِ} أي: وَاسْتَعِينُوا بالصلاةِ؛ لأن الصلاةَ نِعْمَ المعينُ على نوائبِ الدهرِ، وعلى خيرِ الدنيا والآخرةِ؛ كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} الآيةَ [العنكبوت: آية 45]، وقال جل وعلا: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: آية 132]، وكان صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَهُ أمرٌ صلى (¬2)، وَرُوِيَ عن ابنِ عباسٍ (رضي الله عنهما) أنه نُعِيَ له أخوُه قُثَم، فأناخَ راحلتَه وصلى، وتلا: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} (¬3) [البقرة: آية 45]، يستعينُ بالصلاةِ على صبرِ مصيبةِ أَخِيهِ.
ولا شَكَّ أن لطالبِ العلمِ هنا سؤالاً وهو أن يقولَ: أما الاستعانةُ بالصبرِ على أمورِ الدنيا والآخرةِ فهي أَمْرٌ واضحٌ لا إشكالَ
¬_________
(¬1) انظر: هذه الأنواع الثلاثة في مدارج السالكين (2/ 156)، بصائر ذوي التمييز (3/ 375، 381).
(¬2) جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه عند أحمد (5/ 388)، وأبي داود في الصلاة، باب: وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، حديث رقم: (1305) (4/ 202)، وابن جرير برقم (849، 850) (2/ 12)، ومحمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة رقم: (212) (1/ 231)، وقد صححه أحمد شاكر في تعليقه على ابن جرير (2/ 12)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (1/ 245).
(¬3) أخرجه ابن جرير، انظر: الأثر رقم: (852) (2/ 14)، والبيهقي في الشعب، انظر: الأثرين رقم: (9681، 9682) (7/ 114)، وقال أحمد شاكر: «إسناده صحيح» ابن جرير (2/ 14).

الصفحة 47