كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

والكبيرةُ هنا: وَصْفٌ من (كَبُرَ) بِضَمِّ البَاءِ، (يكبُر) بِضَمِّهَا، إذا عَظُمَ وَشَقَّ وَثَقُلَ، ومنه قولُه: {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى: آية 13]، وهذا النوعُ في المعانِي مِنْ (كَبُرَ الأَمْرُ) إذا شَقَّ وَثَقُلَ، أو (كَبُرَ) بمعنى (عَظُمَ)، كقوله: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [الصف: آية 3] يَكْبُرُ الأمرُ فهو كبيرٌ، مضمومٌ في الماضِي، تقول: كَبُرَ يَكْبُرُ فَهُوَ كَبِيرٌ. كما بَيَّنَّا.
أما كِبَرَ السِّنُّ: فَفِعْلُهُ (كَبِرَ) بِكَسْرِ الباءِ (يكبَر) بفتحها على القياسِ، وهو معروفٌ (¬1)، ومن أمثلتِه قولُ قَيْسٍ المجنونِ (¬2):
تَعَشَّقْتُ لَيْلَى وَهْيَ ذَاتُ ذَوَائِبٍ ... وَلَمْ يَبْدُ لِلْعَيْنَيْنِ مِنْ ثَدْيِهَا حَجْمُ
صَغِيرَيْنِ نَرْعَى الْبُهْمَ يَا لَيْتَ أَنَّنَا ... إِلَى الْيَوْمِ لَمْ نَكْبَرْ وَلَمْ تَكْبَرِ الْبُهْمُ
والاستثناءُ في قوله: {إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: آية 45]، استثناءٌ مُفَرَّغٌ (¬3)، وأصلُ تقريرِ المعنى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} أي: ثَقِيلَةٌ عظيمةٌ شَاقَّةٌ على كُلِّ أحدٍ: {إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} والخاشعونَ جَمْعُ: الْخَاشِعِ، وهو الوصفُ من: خَشَعَ.
وأصلُ الخشوعِ في لغةِ العربِ: الانخفاضُ في طُمَأْنِينَةٍ، كُلُّ
مُنْخَفِضٍ مطمئنٍ تُسَمِّيهِ العربُ:
¬_________
(¬1) انظر: المقاييس في اللغة، كتاب الكاف، باب الكاف والباء وما يثلثهما، (مادة: كبر) ص915، إكمال الإعلام لابن مالك (2/ 540)، بصائر ذوي التمييز (4/ 323).
(¬2) البيتان في الخزانة (2/ 171)، مع شيء من المغايرة في اللفظ، إذ المُثبت هناك:
تعلقت ليلى وهي غِرٌّ صغيرة ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا ... صغيران لم نكبر ولم تكبر البهم
(¬3) انظر: الدر المصون (1/ 331).

الصفحة 50