كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

وقد بَيَّنَ (جل وعلا) في هذه الآيةِ الكريمةِ، أن أولئك الْمُسْتَكْبِرِينَ في دارِ الدنيا، الذين يستكبرونَ عَنْ آياتِه، الذين كان لَهُمْ في الدنيا خَدَمٌ وَحَشَمٌ وَأَتْبَاعٌ، وَأُبَّهَةٌ، أنهم يومَ القيامةِ يُبْعَثُونَ وَيُعْرَضُونَ إلى رَبِّهِمْ لاَ أَتْبَاعَ لَهُمْ، ولاَ حَشَمَ وَلاَ خَدَمَ حتى وَلاَ نِعَالَ وَلاَ ثِيَابَ، كُلُّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا} [النحل: آية 111] {كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: آية 94] لأَنَّ الإنسانَ يَخْرُجُ مِنْ بطنِ أُمِّهِ وحيدًا فريدًا، لاَ مالَ لهُ حَافِيًا عَارِيًا لاَ نِعَالَ لَهُ وَلاَ لِبَاسَ، غَيْرُ مَخْتُونٍ، لاَ خدمَ لَهُ، ولاَ حَشَمَ، كذلك يخرجُ مِنْ قَبْرِهِ وحيدًا فريدًا متجردًا مِنَ الأُبَّهَةِ التي كَانَ فِيهَا، ليس معَه خادمٌ، ولا وزيرٌ، ولا مالٌ، ولا نعلٌ، ولا لباسٌ، يُحْشَرُونَ يومَ القيامةِ حفاةً عُراةً غُرْلاً. أي: غَيْرَ مَخْتُونِينَ؛ وَلِذَا يقولُ اللَّهُ لِلَّذِينَ يستكبرونَ ويكفرونَ - كانوا يَجْمَعُونَ في دارِ الدنيا بَيْنَ أَمْرَيْنِ: التكبرُ، والتعاظمُ، وعدمُ الإذعانِ لآياتِ اللَّهِ والإيمانِ به، ويزعمونَ أن الأصنامَ التي يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنَّهَا تشفعُ لهم يومَ القيامةِ، وَتُنَجِّيهِمْ من كرباتِ يومِ القيامةِ، فَوَبَّخَهُمُ اللَّهُ هذا التوبيخَ العظيمَ - قال: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا} هُوَ مَجِيئُهُمْ يومَ القيامةِ مَحْشُورِينَ مَعْرُوضِينَ على خَالِقِهِمْ (جل وعلا) {فُرَادَى} الفُرَادَى: جَمْعُ فَرْدٍ أو فَرَدٍ. خلافًا لِمَنْ قال: إِنَّ وَاحِدَهُ (الفَرْدَان) كالسكرانِ والسكارى. وَوَاحِدُهُ في الحقيقةِ: الفَرْدُ والفَرَدُ، وتقولُ: هو فَرْدٌ وفَرَدٌ، إذا كان واحدًا (¬1). وَرُبَّمَا قيل فيه: فَرِدٌ، وَيُرْوَى بهما معًا قولُ نابغةِ ذبيانَ (¬2):
¬_________
(¬1) انظر: الأضواء (2/ 204).
(¬2) مضى عند تفسير الآية (71) من سورة البقرة.

الصفحة 525