كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

ثُمَّ قَالَ: {وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} الشفعاءُ الذين كُنْتُمْ تزعمونَ أنهم شركاءُ لنا فيكم، وَأَنَّ نصيبًا لهم مِنْ حُقُوقِنَا، وتعبدونَهم معنا، وتزعمونَ أنهم يشفعونَ لكم، ما نَرَاهُمْ معكم. وهذا توبيخٌ لهم - والعياذُ بِاللَّهِ - كما قال تعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: آية 18].
وقولُه: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} فيه قِرَاءَتَانِ (¬1): {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}، {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنُكُمْ} فَعَلَى قراءةِ: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنُكُمْ} فـ (البَيْنُ) من الأضدادِ يُطْلَقُ على البُعْدِ وعلى الوصلِ. والمعنَى: تَقَطَّعَ وَصْلُكُمْ، والوصالاتُ: الاتصالاتُ التي كانت بينَكم، كما قال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة: آية 166]، الوصلاتُ التي كانت بينَهم في الدنيا تَنْقَطِعُ يومَ القيامةِ، كما قَالَ اللَّهُ في سورةِ العنكبوتِ: {مَوَدَّةً بَيْنَكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وفي القراءةِ الأُخْرَى: {مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا} [العنكبوت: آية 25] (¬2). وعلى قراءةِ: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} فبعضُ العلماءِ يقولُ: فاعلُ الفعلِ هو المصدرُ (لَقَدْ تَقَطَّعَ هُوَ) أي: التقطعُ، أي: وَقَعَ التقطعُ بينَكم، وبعضُ العلماءِ يقولُ: أَصْلُهُ (لقد تقطع ما بينَكم)، وهو في بعضِ القراءاتِ الشاذةِ (¬3).
¬_________
(¬1) انظر: المبسوط لابن مهران 199.
(¬2) انظر: المبسوط لابن مهران ص344. وفي الآية قراءات أخرى غير ما ذُكر.
(¬3) انظر: حجة القراءات 261 - 262، ابن جرير (11/ 549)، القرطبي (7/ 43)، البحر المحيط (4/ 172)، الدر المصون (5/ 48).

الصفحة 527