كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

ومعنَى القراءتين واحدٌ (¬1)؛ ذلك لأَنَّ الْعَابِدِينَ والمعبودين يومَ القيامةِ يَتَعَادَوْنَ غايةَ المعاداةِ (¬2)،
كما قال الله جل وعلا: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)} [مريم: الآيتان 81، 82] وقال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)} [الأحقاف: الآيتان 5، 6] وهذا هو معنَى قولِه هنا: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُم مَّا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}.
قد بَيَّنَّا مِرَارًا (¬3) أن (الضلالَ) في القرآنِ وفي لغةِ العربِ يُطْلَقُ على معانٍ متعددةٍ، منها: يُطْلَقُ الضلالُ على (الغَيْبُوبَةِ والاضمحلالِ)، كما هنا. فَكُلُّ ما غَابَ واضمحلَّ تقولُ العربُ فيه: (ضَلَّ). ومنه قولُه هنا: {وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} أي: غابَ واضمحلَّ، ولم يُوجَدْ معكم، كما قال: {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ} [السجدة: آية 10] يَعْنُونَ: أن الأرضَ أَكَلَتْ عظامَهم فَاخْتَلَطَتْ بها، فَذَهَبَتْ بها، وَاضْمَحَلَّتْ فيها، كما تقولُ العربُ: ضَلَّ السَّمْنُ في الطعامِ. وهو معنًى مشهورٌ فِي كلامِ العربِ، ومنه قولُ الأَخْطَلِ (¬4):
كُنْتَ الْقَذَى فِي مَوْجِ أَكْدَرَ مُزْبدٍ ... قَذَفَ الأَتِيُّ بِهِ فَضَلَّ ضَلاَلاَ
أَيْ غَابَ وَاضْمَحَلَّ، وهذا معروفٌ في كلامِ العربِ، ومنهُ تقولُ
¬_________
(¬1) انظر: ابن جرير (11/ 549)، القرطبي (7/ 43).
(¬2) انظر: الأضواء (2/ 204) ..
(¬3) مضى عند تفسير الآية (39) من سورة الأنعام.
(¬4) مضى عند تفسير الآية (39) من هذه السورة.

الصفحة 528