كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

الأسلوبِ العجيبِ رشاشا يَسْقِي الأرضَ من غيرِ أن يَضُرَّ بأحدٍ، لا يقدرُ على هذا إلا اللَّهُ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ} يعني المطرَ {يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ} [النور: آية 43] مِنْ فُتُوقِ السحابِ ومخارجِه رشاشًا؛ لأنه لو نَزَلَ مُجْتَمِعًا لأَهْلَكَ ما سَقَطَ عليه.
هَبْ أن الماءَ خُلِقَ، وأنه أُنْزِلَ إلى الأرضِ على هذا الأسلوبِ الغريبِ العجيبِ حتى شَرِبَتِ الأرضُ وَرَوِيَتْ، مَنْ هو الذي يقدرُ على شَقِّ الحبةِ عن السنبلةِ أَوَّلاً، ثم على شَقِّ الأرضِ وإخراجِ مسمارِ النباتِ منها؟ هَبْ أن مسمارَ النباتِ خُلِقَ؟ مَنْ هو الذي يقدرُ أن يُخْرِجَ منه السنبلةَ؟ هَبْ أن السنبلةَ خَرَجَتْ، مَنْ هو الذي يقدرُ على تنميةِ حَبِّهَا؟ وَنَقْلِهِ من طَوْرٍ إلى طَوْرٍ، حتى يصيرَ
صَالِحًا مُدْرِكًا، صَالِحًا للأَكْلِ؟ {انْظُرُوا إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: آية 99] هذا ذَكَرَهُ اللَّهُ بقولِه: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) إِنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا}. وفي القراءةِ الأُخْرَى: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا} (¬1) [عبس: الآيتان 24، 25] يعني: فَسَقَيْنَا به الأرضَ، ثم شَقَقْنَا الأرضَ عن النباتِ شَقًّا بعدَ أن شَقَقْنَا الحبةَ عن السنبلةِ، كما قال هنا: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} هذه غرائبُ صنعِ اللَّهِ وعجائبُه يُبَيِّنُهَا لِخَلْقِهِ، ويذكرُهم بنعمتِه ليعلموا عظمةَ من خلقِهم (جل وعلا) فيعبدوه وَيُنِيبُوا إليه.
هذا معنَى قولِه: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ} يعني: فالقُ الْحَبِّ عن السنبلِ، وفالقُ النَّوَى عن الشجرِ، كالنخلِ مثلاً. هذا مِنْ غَرَائِبِ صُنْعِهِ وعجائبِ قدرتِه، وَمِنْ نِعَمِهِ الْعُظْمَى عليكم، حيثُ أَنْبَتَ لكم الحبوبَ والثمارَ لِتَأْكُلُوا منها.
¬_________
(¬1) انظر: المبسوط لابن مهران 462.

الصفحة 532