كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

وهذا معنَى قولِه: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} هذا التفسيرُ هو الذي عليه جمهورُ المفسرين، وهو المعروفُ عن علماءِ السلفِ والخلفِ، وفي الآيةِ قولانِ آخَرَانِ:
أحدُهما: أن معنَى كونِه فالقَ الحبِّ والنَّوَى: أن حبةَ القمحِ مثلاً فيها شِبْهُ شَقٍّ فِي بَعْضِ جَوَانِبِهَا، والنواةُ فيها شَقٌّ في جَانِبِهَا، أنه هو الذي جَعَلَ ذلك الشقَّ في الْحَبِّ، وجعلَه في النَّوَى لِيُرِيَ الناسَ كمالَ قُدْرَتِهِ.
الوجهُ الثاني: هو ما ذَكَرَهُ بعضُ أهلِ العلمِ: أن الفلقَ والفطرَ والخلقَ كُلُّهَا مترادفةٌ. فمعنَى: {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} أي: خالقُ الْحَبِّ والنوى وغير ذلك.
والأولُ هو أَشْهَرُهَا.
وقولُه: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} فقولُه: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} كالتفسيرِ لقولِه: {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} لأَنَّ الحبةَ اليابسةَ كأنها
مَيِّتَةٌ، وَكُلُّ شيءٍ يَنْمُو ويتزايدُ تُسَمِّيهِ العربُ حَيًّا؛ وَلِذَا يُسَمُّونَ النباتَ حَيًّا؛ لأنه ينمو، وَيُسَمُّونَ اليابسَ منه - الذي لاَ يَنْمُو - يُسَمُّونَهُ مَيْتًا. ومن هنا كانوا يقولونَ للأرضِ الجدبةِ القاحلةِ: مَيْتَةً؛ لأَنَّ نَبَاتَهَا يابسٌ لاَ يَنْمُو، فإذا نَبَتَ فيها النباتُ الأخضرُ النَّامِي سَمَّوْهَا: حيةً. كما قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} [يس: الآيات 33 - 35]. وَلِذَا قال: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} الْحَيُّ هنا: هو السنبلُ الأخضرُ النَّامِي، والنخلُ والشجرُ الأخضرُ النامي يُخْرِجُهُ اللَّهُ من

الصفحة 533