كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

ذلك الميتِ اليابسِ الذي لاَ يَنْمُو، وهو الْحَبُّ اليابسُ، أو النَّوَى اليابسُ، وكذلك يُخْرِجُ اللَّهُ النطفةَ - وهي ميتةٌ - يُخْرِجُهَا من الْحَيِّ الذي هو الإنسانُ، والبيضةَ من الدجاجةِ. فقولُه: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} أي يُخْرِجُ الناميَ من النباتِ والحيواناتِ من الميتِ وهو بِذْرُ النباتِ اليابسِ الذي لاَ يَنْمُو بِذَاتِهِ، وكذلك ما يَخْرُجُ من الإنسانِ، كالنطفةِ فإنها لا تَنْمُو بنفسِها إلا أن اللَّهَ (جل وعلا) يُخْرِجُ منها الْحَيَّ، كما قال: {وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} المعنَى: أن اللَّهَ (جل وعلا) يُخْرِجُ الْحَيَّ الناميَ كالنخلةِ، والسنبلةَ من الحبةِ، والنَّوَى، ويخرجُ الإنسانَ من النطفةِ، والدجاجةَ من البيضةِ مثلاً، كما أنه يُخْرِجُ الميتَ من الحيِّ، يُخْرِجُ أيضًا ذلك الزرعَ الميتَ من الحيِّ الذي هو النباتُ، ويخرجُ الثمرَ من الشجرِ الذي هو النَّامِي، كما يُخْرِجُ أيضًا النطفةَ والبيضةَ من الحيِّ الذي هو الإنسانُ والدجاجةُ.
هذا معنَى قولِه: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} وهذا هو الذي عليه جمهورُ المفسرين، خِلاَفًا لِمَنْ قال: إنه يُخْرِجُ الكافرَ من المؤمنِ، والمؤمنَ مِنَ الكافرِ، وما جَرَى مَجْرَى ذلك (¬1). القولُ الأولُ هو المشهورُ.
وفي هذه الآيةِ الكريمةِ سؤالٌ عَرَبِيٌّ: وهو أن يقولَ طالبُ العلمِ: قال: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} بصيغةِ المضارعِ، وَعَطَفَ عليه قولَه: {وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} بصيغةِ اسمِ الفاعلِ، فما النكتةُ العربيةُ في عطفِ اسمِ الفاعلِ هنا على المضارعِ؟ وَلِمَ لاَ يُعطف عليه مضارعا آخر؟ كما فَعَلَ في سورةِ آلِ عمرانَ حيث قال: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ
¬_________
(¬1) انظر: ابن جرير (11/ 553)، القرطبي (4/ 56)، (7/ 44).

الصفحة 534