كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

فالمثيرات. وكذلك عَكْسُهُ، وهو: عطفُ الاسمِ على الفعلِ - اسمُ الفاعلِ على الفعلِ - أَمْرٌ معروفٌ موجودٌ في كلامِ العربِ، ومنه قولُ الراجزِ (¬1):
بَاتَ يُغَشِّيهَا بِعَضْبٍ بَاتِرٍ يَقْصِدُ فِي أَسْوُقِهَا وَجَائِرُ
فقوله: «جائر» معطوف على «يقصد» بمعنَى: قاصدٍ وجائرٍ. وهذا أسلوبٌ معروفٌ في كلامِ العربِ.
{وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} ثم إِنَّ اللَّهَ لَمَّا نَبَّهَنَا على عظمتِه وكمالِ قدرتِه، وأنكَ أيها الإنسانُ [تشاهدُ أَنَّكَ] (¬2) تبذرُ حبةً في الأرضِ، فيُخرجها لكَ سنبلةً خضراءَ فيها مئاتُ الْحَبِّ، وتبذرُ نواةً في الأرض فيُخرج لكَ منها نخلةً ذاتَ أغصانٍ، وذاتَ خُوصٍ وَجَرِيدٍ، وذاتَ ثَمَرٍ، وهذا من أبدعِ صُنْعِهِ (جل وعلا)، دَالٌّ على أنه الربُّ وحدَه. قال بعدَ هذه الآياتِ: {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} أَيْنَ تُصْرَفُونَ عن النظرِ في هذا؟ كيف تُشَاهِدُونَ غرائبَ صُنْعِهِ وعجائبِها الدالةِ على كمالِ قدرتِه، وَتُسَوُّونَ به غيرَه، وتعبدونَ معه ما لاَ ينفعُ ولا يَضُرُّ؟ أين تصرفون؟ وأين تذهبُ عقولُكم عن أفعالِ رَبِّكُمُ العظيمةِ الدالةِ على أنه المعبودُ وحدَه؟
و {تُؤْفَكُونَ} مضارعٌ مبنيٌّ للمفعولِ، من (أَفَكَه يَأْفِكُهُ) إذا قَلَبَهُ، العربُ تقولُ: «أَفَكَ الأَمْرُ يَأْفِكُه» إذا قَلَبَهُ، ومنه قِيلَ لِقُرَى قومِ لوطٍ: (المؤتفكات) لأَنَّ جبريلَ أَفَكَهَا، أي: قَلَبَهَا فجعلَ عاليَها سافلَها، ومن هنا قيل للكذبِ: إِفْكٌ؛ لأَنَّ الإفكَ أسوأُ الكذبِ، لأَنَّهُ صَرْفٌ للكلامِ عن وَجْهِهِ الحقيقيِّ إلى وَجْهِهِ الباطلِ. فمعنَى:
¬_________
(¬1) البيت في البحر المحيط (4/ 185)، الدر المصون (3/ 178).
(¬2) في الأصل: "تشاهدك".

الصفحة 536