كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

أَرْبَى رَبَاحًا وَبَنِي رَبَاحِ ... تَنَاسُخُ الأَمْسَاءِ وَالأَصْبَاحِ
وَيُرْوَى:
. . . . . . . . . . . . . . . ... تَنَاسُخُ الإِمْسَاءِ وَالإِصْبَاحِ
وعلى قراءةِ الجمهورِ: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ} معناها: مُبْدِي ضَوْءِ الصبحِ بعدَ ظلامِ الليلِ.
وفي هذا المعنَى سؤالٌ معروفٌ، لطالبِ العلمِ أن يقولَ: اللَّهُ ذَكَرَ هنا أن الإصباحَ هو الذي يفلقُه اللَّهُ. والذي يُفْلِقُ في الحقيقةِ: الظلامُ، هو الذي يُفْلِقُ وَيُشق عن نورِ الصباحِ، أما كونُ نورِ الصباحِ هو الذي يُفلق ويُشقُّ فهذا فيه إشكالٌ، فيه سؤالٌ معروفٌ للعلماءِ.
وللعلماءِ عن هذا السؤالِ أَجْوِبَةٌ (¬1):
منها قولُ بعضِهم: الكلامُ على حذفِ مُضَافٍ: فالقُ ظلمةِ الإصباحِ. وأنه حَذَفَ المضافَ إليه، ولا يَخْلُو مِنْ بُعْدٍ؛ لأَنَّ هذا المضافَ لَمْ تَحْتَفَّ بِهِ قَرِينَةٌ.
وقال بعضُ العلماءِ: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ} لأَنَّ الإصباحَ يبدأُ شعاعُ الصبحِ أَوَّلاً وتحتَه ظلامٌ، وَلَمْ يُسْفِرْ إِسْفَارًا تَامًّا يكشفُ الظلامَ كَشْفًا كُلِّيًّا، ثم ينصدعُ ذلك الإصباحُ انصداعًا كُلِّيًّا عن ضوءِ النهارِ كما ينبغي، وهذا معروفٌ ومنه قولُ أَبِي تَمَّامٍ (¬2):
وَأَزْرَقُ الْفَجْرِ يَبْدُو قَبْلَ أَبْيَضِهِ وَأَوَّلُ الْغَيْثِ قَطَرٌ ثُمَّ يَنْسَكِبُ
¬_________
(¬1) انظر: البحر المحيط (4/ 185)، الدر المصون (5/ 60).
(¬2) البيت في مشاهد الإنصاف (ملحق بالكشاف 4/ 11)، الدر المصون (5/ 60).

الصفحة 539