كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

فعلى هذا القولِ: أن الإصباحَ يَبْدُو أَوَّلاً وهو مختلطٌ بِغَلَسِ الظَّلاَمِ، ثم إن اللَّهَ يشقُّ ذلك الإصباحَ الذي بَدَأَتْ أوائلُه مختلطةً بالظلامِ شَقًّا واضحًا عَنْ وَضَحِ النهارِ، وهذا هو المعروفُ، أن الظلامَ سواء كان ظلامًا دَامِسًا، أو ظَلاَمًا مختلطًا ببعضِ ضوءِ الصبحِ، هو الذي يُشقُّ عن الصباحِ كما هو معروفٌ، ومنه قولُ أَبِي نواس (¬1):
تَرَدَّتْ بِهِ ثُمَّ انْفَرَى عَنْ أَدِيمِهَا تَفرِّيَ لَيْلٍ عَنْ ضِيَاءِ نَهَارِ
هذا هو المعروفُ، وهم إما يُقَدِّرونَ مضافًا فيقولونَ: فَالِقُ ظلمةِ الإصباحِ. أي: شَاقُّهَا بضوءِ الصبحِ، أو {فَالِقُ الإِصْبَاحِ}. أي: أوائلُ الإصباحِ المختلطةِ بغَلَسِ الظلامِ، فَالِقُهَا وَشَاقُّهَا عن النورِ، نورِ النهارِ الحقيقيِّ.
وقولُه: {وجاعِلُ الليلِ سكنًا} على قراءةِ: {وجَاعِلُ الليلِ سكنًا} فلاَ إشكالَ، اسمُ فاعلٍ معطوفٌ على اسمِ فاعلٍ. وعلى قراءةِ: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} (¬2) هو مِمَّا كُنَّا نقولُ: إن الاسمَ إذا كان مُشْتَقًّا - كاسمِ الفاعلِ هنا - يُعْطَفُ عليه الفعلُ، وَيُعْطَفُ هو على الفعلِ، كما قال في الخلاصةِ (¬3):
وِاعْطِفْ عَلَى اسْمٍ شِبْهِ فِعْلٍ فِعْلاَ ... وَعَكْسًا اسْتَعْمِلْ تَجِدْهُ سَهْلاَ
¬_________
(¬1) البيت في مشاهد الإنصاف (ملحق بالكشاف 4/ 45)، البحر المحيط (4/ 185)، الدر المصون (5/ 60) وفي هذه المصادر: «عن بياض .... » إلخ.
(¬2) انظر: المبسوط لابن مهران 199، حجة القراءات 262، ابن جرير (11/ 556)، القرطبي (7/ 45)، البحر المحيط (4/ 186)، الدر المصون (5/ 60).
(¬3) الخلاصة ص 48، وانظر: شرحه في التوضيح والتكميل (2/ 189).

الصفحة 540