كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

(يَحْسِب) [بكسرها] (¬1)، (حِسَابًا وحِسَابَةً وحُسبانًا)، إذا عَدَّ الشيء، والمعنَى: جَعَلَ الشمسَ والقمرَ حُسْبَانًا يعنِي: خَلَقَهُمَا بحُسْبَانٍ، يحسب حركتِهما وَسَيْرِهِمَا بأسلوبٍ مُتْقَنٍ لاَ يتغيرُ في السَّنَةِ؛ لتعلموا بذلك الحسابِ عددَ السنين والأَشْهُرِ والأيامِ. وهذه من نتائجِ الشمسِ والقمرِ التي ذَكَرَهَا اللَّهُ (جل وعلا)؛ لأنهم يعرفونَ بها الشهورَ والأيامَ والأعوامَ، فيعرفونَ من ذلك شهرَ الصومِ، وشهرَ الحجِّ، ويعرفونَ عِدَدَ النساءِ، وآجالَ الديونِ، وما جَرَى مَجْرَى ذلك، هذه من فوائدِ الشمسِ والقمرِ التي أَكْثَرَ اللَّهُ (جل وعلا) مِنْ ذِكْرِهَا.
ومعلومٌ أن أصحابَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كما قَدَّمْنَاهُ في هذه الدروسِ في سورةِ البقرةِ - أنهم تَاقَتْ نفوسُهم إلى هيئةِ القمرِ، فقالوا للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ما بَالُ الهلالِ يبدُو دَقِيقًا ثُمَّ لم يَزَلْ يكبرُ حتى يستديرَ بَدْرًا (¬2)؟
وهذا سؤالٌ عن هيئةِ القمرِ، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُرْسِلَ ليبينَ للناسِ
¬_________
(¬1) في الأصل: (بفتحها). وهو سبق لسان.
(¬2) الروايات الواردة في أن الآية نزلت بسبب سؤالهم عن الأهلة متعددة، ومن ذلك:

1 - ما أورده الواحدي في أسباب النزول ص53 - من غير إسناد - أن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) قال: يا رسول الله، إن اليهود تغشانا ويُكثرون مسألتنا عن الأهلة، فأنزل الله ... الحديث. وذكره الحافظ في العُجَاب (1/ 453) وقال ص454: «لم أر له سندا إلى معاذ، ويُحتمل أن يكون اختصره أولا، ثم أورده مبسوطا» اهـ.
2 - ما أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 269)، وابن عساكر في تاريخه (مختصر ابن منظور 1/ 25) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت في معاذ بن جبل، وثعلبة بن عَنَمَة - وهما رجلان من الأنصار - قالا: يا رسول الله، ما بال الهلال ... فنزلت ... الحديث. وقد أورده ابن الأثير في أُسد الغابة (1/ 292)، والسيوطي في الدر (1/ 302) وقال: «أخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن ابن عباس ... إلخ. كما أورده لُبَاب النقول ص 28 وعزاه لأبي نعيم، وابن عساكر.
وقد أورده الواحدي في أسباب النزول ص 53 - من غير إسناد - والحافظ في الإصابة (1/ 201) عن الكلبي من غير ذكر الواسطة، وهما: أبو صالح الذي يرويه عن ابن عباس. كما أورده الحافظ في العُجاب (1/ 455) وقال: «وأما أثر الكلبي فلعله في تفسيره الذي يرويه عن أبي صالح عن ابن عباس، وقد وجدتُ مثله في تفسير مقاتل بن سليمان بلفطه، فلعله تلقاه عنه». اهـ وقال المُناوي في الفتح السماوي (1/ 232): «إسناده واه» اهـ.
3 - ما أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (1/ 322)، وابن جرير (3/ 554) من طريق العوفي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: سأل الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأهلة، فنزلت ... الحديث. وقد أورده السيوطي في الدر (1/ 203)، ولُباب النقول ص 28 وإسناده ضعيف أيضا.
4 - ما أخرجه ابن جرير (3/ 553) عن قتادة مرسلا. وذكره الواحدي في أسباب النزول ص53 - من غير إسناد - والسيوطي في الدر (1/ 203) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير. وانظر: تفسير ابن أبي حاتم (1/ 322) كما أورده الحافظ في العُجَاب (1/ 453) وقال (ص454): «أخرجه يحيى بن سلاَّم عن شعبة عنه بهذا اللفظ، وأخرجه الطبري ... » اهـ.
5 - ما أخرجه ابن جرير (3/ 553) عن الربيع بن أنس مرسلا. وذكره الحافظ في العُجَاب (1/ 454)، والسيوطي في الدر (1/ 203).
6 - ما أخرجه ابن جرير (3/ 554) عن ابن جُريج مرسلا. وذكره الحافظ في العُجاب (1/ 454).
7 - ما أخرجه ابن أبي حاتم (1/ 322) عن الربيع عن أبي العالية مرسلا. وذكره الحافظ في العُجاب (1/ 455)، والسيوطي في الدر (1/ 203)، ولُباب النقول ص28.
وقد رُوي عن جماعة غير هؤلاء كعطاء، والضحاك، والسدي، كما أشار لذلك ابن أبي حاتم في التفسير (1/ 322).
قال الحافظ في العُجاب (1/ 455): «وقد توارد من لا يد لهم في صناعة الحديث على الجزم بأن هذا كان سبب النزول مع وهاء السند فيه، ولا شعور عندهم بذلك، بل كاد يكون مقطوعا به لكثرة من ينقله من المفسرين وغيرهم» اهـ.

الصفحة 543